وكلامُ الحَنفيةِ يَدلُّ على جَوازِ إِقطاعِ المَعادنِ الباطنةِ، فجاءَ في الدرِّ المُختارِ: واعلَمْ أنَّه ليسَ للإمامِ أنْ يُقطِعَ ما لا غَنى للمُسلِمينَ عنه مِنْ المَعادنِ الظاهِرةِ -وهي ما كانَ جَوهرُها الذي أودَعَه اللهُ في جَواهرِ الأرضِ بارِزًا- كمَعادنِ المِلحِ والكُحلِ والقارِ والنّفطِ (١).
وظاهِرُ هذا أنَّه يَجوزُ إِقطاعُ المَعادنِ الباطِنةِ، واللهُ أعلمُ.
وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةِ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ للإمامِ إِقطاعُ المَعادنِ الباطنةِ؛ لأنَّها لا تُملَكُ بالإِحياءِ فلَم يَجزْ إِقطاعُها كالمَعادنِ الظاهِرةِ.
قالَ الماوَرديُّ ﵀: قد ذكَرْنا أنَّ المَعادنَ ضَربانِ: ظاهِرةٌ وباطِنةٌ، وذكَرْنا أنَّ الظاهِرةَ منها لا يَجوزُ إِقطاعُها، فأما الباطِنةُ -وهي التي لا شيءَ في ظاهرِها حتى تُحفَرَ أو تُقطَعَ فيَظهرُ ما فيها بالحَفرِ والقَطعِ كمَعادنِ الفِضةِ والذَّهبِ والنُّحاسِ والحَديدِ، سَواءٌ احتاجَ ما فيها إلى سَبكٍ وتَخليصٍ كالفِضةِ والنُّحاسِ أو لَم يَحتَجْ إلى ذلك -كالتبْرِ مِنْ الذَّهبِ- ففي جَوازِ إِقطاعِها قَولانِ:
أحدُهما: أنَّ إِقطاعَها لا يَجوزُ، والناسُ كلُّهم فيها شَرعٌ يَتساوَى جَميعُهم في تَناولِ ما فيها كالمَعادنِ الظاهرةِ التي يَتساوى الناسُ فيها، ولا يَجوزُ إِقطاعُها؛ لأنَّ ما فيها جميعًا مَخلوقٌ يُوصَلُ إليه بالعَملِ ويُملَكُ
(١) «الدر المختار» (٦/ ٤٣٣، ٤٣٤)، ويُنظَر: «تبيين الحقائق» (٦/ ٣٦)، و «العناية شرح الهداية» (١٤/ ٣١٤)، و «البحر الرائق» (٨/ ٢٤٠)، و «اللباب» (١/ ٦٨٣).