للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أَبو الخَطابِ: ويُحتمَلُ جَوازُ بَيعِه لأنَّه له.

فإنْ سبَقَ غيرَه فأَحياهُ ففيه وَجهانِ:

أحدُهما: أنَّه يَملكُه؛ لأنَّ الإِحياءَ يُملَكُ به والحَجرُ لا يُملَكُ به، فثبَتَ الملكُ بما يُملَكُ به دونَ ما لَم يُملَكْ به، كمَن سبَقَ إلى مَعدِنٍ أو مَشْرعةٍ ماءٍ فجاءَ غيرُه فأَزالَه وأخَذَه.

والثانِي: لا يَملكُه؛ لأنَّ مَفهومَ قولِه : «مَنْ أَحيا أرضًا مَيتةً ليسَت لأحدٍ» وقولِه: «في حقِّ غيرِ مُسلمٍ فهي له» أنَّها لا تَكونُ له إذا كانَ لمُسلمٍ فيها حقٌّ، وكذلك قولُه: «مَنْ سبَقَ إلى ما لَم يَسبقْ إليه مُسلمٌ فهو أَحقُّ به».

ورَوى سَعيدٌ في سُننِه أنَّ عُمرَ قالَ: «مَنْ كانَت له أرضٌ -يَعني مَنْ تَحجَّرَ أرضًا- فعطَّلَها ثَلاثَ سِنينَ فجاءَ قَومٌ فعمَروها فهم أَحقُّ بها» وهذا يَدلُّ على أنَّ مَنْ عمَرَها قبلَ ثَلاثِ سِنينَ لا يَملِكُها؛ لأنَّ الثانِي أَحيا في حقِّ غيرِه فلم يَملِكْه كما لو أَحيا ما يَتعلَّقُ به مَصالحُ ملكِ غيرِه، ولأنَّ حقَّ المُتحجِّرُ أَسبقُ فكانَ أَولى، كحقِّ الشَّفيعِ يُقدَّمُ على شِراءِ المُشتَري.

فإنْ طالَتِ المُدةُ عليه عُرفًا كنحوِ ثَلاثِ سِنينَ فينبَغي أنْ يَقولَ له السُّلطانُ: «إمَّا أنْ تُحييَه فتَملِكَه أو تَتركَه لِيحييَه غيرُك إنْ حصَلَ مُتشوِّفٌ للإِحياءِ»؛ لأنَّه ضيَّقَ على الناسِ في حقٍّ مُشتَركٍ بينَهم فلَم يُمكَّنْ مِنْ ذلك، كما لو وقَفَ في طَريقٍ ضَيقٍ أو مَشرعَةِ ماءٍ أو مَعدِنٍ لا يَنتفِعُ ولا يَدعُ غيرَه يَنتفعُ، فإنْ سأَلَ الإِمهالَ لعُذرٍ له أُمهِلَ الشَّهرَ والشَّهرينِ ونحوَ ذلك، فإنْ أَحياه غيرُه في مدةِ المُهلةِ ففيه الوَجهانِ اللَّذانِ ذكَرْناهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>