وذهَبَ الإمامُ أَبو حَنيفةَ ﵀ إلى أنَّه يُشتَرطُ لصِحةِ الإِحياءِ إذنُ الإمامِ، فمَن أَحيا أرضًا مَواتًا بغيرِ إذنِ الإمامِ لم يَملِكْها؛ لمَا رُويَ مَرفوعًا:«إنَّما للمَرءِ ما طابَتْ به نَفسُ إِمامِه»(١)، والمرادُ به المُباحاتُ، فإذا لَم يَأذَنْ فلم تَطبْ نَفسُه به فلا يَكونُ له، ولأنَّ ما يَتعلَّقُ به حقُّ المُسلِمينَ لا يختَصُّ به واحدٌ دونَ واحدٍ إلا بإذنِ الإمامِ، أصلُه الرِّزقُ مِنْ بَيتِ المالِ.
ولأنَّ المَواتَ غَنيمةٌ فلا بدَّ للاختِصاصِ به مِنْ إذنِ الإمامِ كسائرِ الغَنائمِ، والدَّليلُ عليه أنَّ «غَنيمةً» اسمٌ لما أُصِيبَ مِنْ أهلِ الحربِ بإِيجافِ الخَيلِ والرِّكابِ، والمَواتُ كذلك؛ لأنَّ الأرضَ كلَّها كانَت تحتَ أيدِي أهلِ الحربِ استَولَى عليها المُسلِمونَ عَنوةً وقَهرًا فكانَت كلُّها غَنائمَ، فلا يَختصُّ بعضُ المُسلِمينَ بشيءٍ منها مِنْ غيرِ إذنِ الإمامِ كسائرِ الغَنائمِ، بخِلافِ الصَّيدِ والحَطبِ والحَشيشِ؛ لأنَّها لم تَكنْ في يدِ أهلِ الحَربِ فجَازَ أنْ تُملَكَ بالاستِيلاءِ وإِثباتِ اليدِ عليها.
وقولُ الرَسولِ ﷺ:«ألَا إنَّ عادِيَّ الأرضِ هي للهِ ورَسولِه ثُم هي لكم مِنْ بعدُ» فما كانَ مُضافًا إلى اللهِ تَعالَى والرَسولِ ﷺ فالتَّدبيرُ فيه إلى الإمامِ، فلا يَستبِدُّ أحدٌ به بغيرِ إذنِ الإمامِ كخُمسِ الغَنيمةِ، فرَسولُ اللهِ ﷺ في هذا الحَديثِ أَشارَ إلى أنَّ هذه الأَراضي كانَت
(١) رواه الطبراني في «الكبير» (٣٥٣٣)، وقَالَ ابنُ حزمٍ في «المُحلَّى» (٧/ ٣٣٩): وهذا خبَرُ سُوءٍ مَكذوبٌ بلا شكٍّ؛ لأنَّه مِنْ روايةِ عمرِو بنِ واقدٍ، وهو مُنكَرُ الحديثِ قَالَه البُخاريُّ وغيرُه: عن موسَى بنِ يَسارٍ، وقد ترَكَه يَحيى القَطانُ. وقَالَ الهَيثميُّ في «مجمعِ الزوائدِ» (٥/ ٣٣١) رَواه الطبرانِيُّ في «الكبيرِ» و «الأوسطِ»، وفيه عَمرُو بنُ واقدٍ وهو مَتروكٌ.