للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقَولُ الثاني: أنَّ العَدالةَ شَرطُ أَولوِيةٍ، قالَ ابنُ نُجيمٍ وتَبِعَه ابنُ عابدِينَ: والظاهِر أنها شَرائطُ الأَولوِيةِ لا شَرائِطُ الصِّحةِ، وأنَّ الناظِرَ إذا فسَقَ استَحقَّ العَزلَ، ولا يَنعزِلُ؛ لأنَّ القَضاءَ أشرَفُ مِنْ التَّولِيةِ ويُحتاطُ فيهِ أكثَرَ مِنْ التَّولِيةِ، والعَدالةُ فيهِ شَرطُ الأولوِيةِ، حتى يَصحَّ تَقليدُ الفاسِقِ، وإذا فسَقَ القاضي لا يَنعزِلُ على الصَّحيحِ المُفتى به، فكذا الناظِرُ، ويُقرَأُ «يُخْرَجُ» في عِبارةِ ابنِ الهُمامِ بالبِناءِ للمَجهولِ، أي: يَجبُ إخراجُه ولا يَنعزلُ (١).

وقالَ المَرغِينانِيُّ : ولو أنَّ الواقفَ شرَطَ وِلايتَه لنَفسِه وكانَ الواقفُ غيرَ مَأمونٍ على الوَقفِ فللقاضي أنْ يَنزعَها مِنْ يَدِه نَظرًا للفُقراءِ، كما له أنْ يُخرجَ الوَصيَّ نَظرًا للصِّغارِ، وكذا إذا شرَطَ أنْ ليس لسُلطانٍ ولا لقاضٍ أنْ يُخرجَها مِنْ يَدِه ويُولِّيَها غيرَه؛ لأنه شَرطٌ مُخالِفٌ لحُكمِ الشَّرعِ فبطَلَ (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنفيةُ في أحَدِ القَولينِ-كما تَقدَّمَ- إلى أنه يُشترطُ في الناظِرِ على الوَقفِ العَدالةُ الظاهِرةُ والباطِنةُ، سَواءٌ كانَ مَنصوبَ الواقفِ أو الحاكِمِ على ما قالَه الأذرَعيُّ ورجَّحَه ابنُ حَجرٍ والرَّمليُّ وإنْ كانَ هو الواقفَ؛ لأنَّ النَّظرَ وِلايةٌ على الغَيرِ، فاشتُرِطَ فيه العَدالةُ كما في الوَصيِّ والقيِّمِ، فيُعزَلُ بالفِسقِ المُحقَّقِ، بخِلافِ نَحوِ كَذبٍ أمكَنَ أنَّ له فيهِ عُذرًا، وإذا انعَزلَ بالفِسقِ فالنَّظرُ للحاكِمِ.

ولا فرْقَ في ذلكَ بينَ الجِهاتِ العامَّةِ والأشخاصِ المُعيَّنينَ الرُّشداءِ.


(١) «البحر الرائق» (٥/ ٢٤٤)، و «ابن عابدين» (٤/ ٣٨٠).
(٢) «الهداية» (٣/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>