للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقالَ له: لا يَصحُّ وَقفُكَ حتى تَجعلَه في يَدِ مَنْ لستَ على ثِقةٍ مِنْ حِفظِه والقيامِ بمَصالحِه وإخراجِ نَظرِكَ عنه؟!

فإنْ قيلَ: إخراجُه للهِ يَقتضي رفْعَ يَدِه عنهُ بالكُليةِ كالعِتقِ.

قيلَ: بالعِتقِ خرَجَ العَبدُ عن أنْ يَكونَ مالًا، وصارَ مُحرَّرًا مَحضًا، فلا تَثبتُ عليه يَدُ أحدٍ، وأمَّا الوَقفُ فإنه لا بُدَّ مِنْ ثُبوتِ اليَدِ عليه لحِفظِه والقِيامِ بمَصالحِه، وأحَقُّ ما يَثبتُ عليه يَدُ أشفَقِ الناسِ عليه وأقوَمِهم بمَصالحِه، وثُبوتُ يَدِه ونَظرِه لا يُنافي وقْفَه للهِ؛ فإنه وقَفَه للهِ وجعَلَ نظَرَه عليه ويَدَهُ للهِ، فكِلاهُما قُربةٌ وطاعةٌ، فكيفَ يُحرَمُ ثَوابَ هذه القُربةِ ويُقالُ له: لا يَصِحُّ لكَ قُربةُ الوَقفِ إلَّا بحِرمانِ قُربةِ النَّظرِ والقِيامِ بمَصالحِ الوَقفِ؟! فأيُّ نَصٍّ وأيُّ قِياسٍ وأيُّ مَصلحةٍ وأَيُّ غَرضٍ للشارعِ أوجَبَ ذلكَ؟ بل أيُّ صاحِبٍ قالَ ذلكَ؟

فإنِ احتاجَ الواقفُ إلى ذلكَ في مَوضعٍ لا يُحكَمُ فيه إلَّا بقَولِ مَنْ يُبطِلُ الوَقفَ إذا لم يُخرجْه عن يَدِه وإذا شرَطَ النَّظرَ بنَفسِه، فالحِيلةُ في ذلكَ أنْ يُفوِّضَ النَّظرَ إلى مَنْ يَثقُ به ويَجعلَ إليه تَفويضَ النَّظرِ لمَن شاءَ، فيَقبَلُ الناظِرُ ذلكَ ويَصحُّ الوَقفُ ويَلزمُ، ثمَّ يُفوِّضُه الناظِرُ إليهِ، فإنه قد صارَ أجنَبيًّا بمَنزلةِ سائِرِ الناسِ، فهذه حِيلةٌ صَحيحةٌ يُتوصَّلُ بها إلى حقٍّ فهي جائِزةٌ، وكذلكَ لو جعَلَ النَّظرَ فيهِ للحاكِمِ ثُمَّ فَوَّضَه الحاكمُ إليه، فإنْ خافَ أنْ لا يُفوِّضَه الحاكِمُ إليه فلْيُملِّكْه لمَن يَثقُ به، ويَقفُه ذلكَ على ما يُريدُ المُملِّكُ، ويَشتَرطُ أنْ يَكونَ نَظرُه له وأنْ يَكونَ تَحتَ يَدِه (١).


(١) «إعلام الموقعين» (٣/ ٣٧١، ٣٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>