للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما في هذا الحَديثِ مِنْ إجزاءِ سِنٍّ أعلى مِنْ الواجِبِ مَذهبُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ الفُقهاءِ المَشهورينَ وغَيرِهم، فقدْ ثبَتَ أنَّ إبدالَ الواجِبِ بخَيرٍ منه جائِزٌ، بل يُستَحبُّ فيما وجَبَ بإيجابِ الشَّرعِ وبإيجابِ العَبدِ، ولا فرْقَ بينَ الواجِبِ في الذِّمةِ وما أوجَبَه مُعيَّنًا؛ فإنَّ ما وجَبَ في الذِّمةِ وإنْ كانَ مُطلَقًا مِنْ وَجهٍ فإنه مَخصوصٌ مُتميِّزٌ عن غَيرِه، ولهذا لم يَكُنْ له إبدالُه بدونِه بلا رَيبٍ.

وعلى هذا فلو نذَرَ أنْ يَقفَ شيئًا فوقَفَ خيرًا منه كانَ أفضَلَ، فلو نذَرَ أنْ يَبنيَ للهِ مَسجدًا وصَفَه، أو يَقفَ وَقفًا وصَفَه، فبَنى مَسجدًا خيرًا منه ووقَفَ وَقفًا خيرًا منه كانَ أفضَلَ، ولو عيَّنَه فقال: «للهِ عَليَّ أنْ أبنيَ هذه الدارَ مَسجدًا» أو وقَفَها على الفُقراءِ والمَساكينِ فبَنى خَيرًا منها ووقَفَ خيرًا منها كانَ أفضَلَ، كالذي نذَرَ الصَّلاةَ بالمَسجدِ الأقصَى وصَلَّى في المَسجدِ الحَرامِ، أو كانَتْ عليه بِنتُ مَخاضٍ فأدَّى خيرًا منها (١).

وسُئلَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ عن الواقِفِ والناذِرِ يُوقِفُ شيئًا ثمَّ يَرى غيرَه أحَظَّ للمَوقوفِ عليه منه، هل يَجوزُ إبدالُه كما في الأُضحِيةِ؟

فأجابَ: وأمَّا إبدالُ المَنذورِ والمَوقوفِ بخيرٍ منه كما في إبدالِ الهَديِ فهذا نَوعانِ:

أحَدُهما: أنَّ الإبدالَ للحاجةِ، مثلَ أنْ يَتعطَّلَ فيُباعَ ويُشتَرى بثَمنِه ما يَقومُ مَقامَه، كالفَرَسِ الحَبيسِ للغَزوِ إذا لم يُمكِنِ الانتفاعُ به للغَزوِ فإنه


(١) «مجموع الفتاوى» (٣١/ ٢٤٤، ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>