الواقفِ كانَ وَقفًا، ولا يَحتاجُ إلى إعادةِ الوَقفِ فيهِ، وإنْ وقَفَه ثانيًا كانَ أحوَطَ؛ لارتِفاعِ الخِلافِ حِينئذٍ، ولو وقَفَ نِصفَ أرضِه مثلًا يَنبَغي أنْ يَبيعَ نِصفَها ثمَّ يُقاسِمَ المُشتريَ.
ولو رفَعَ الأمرَ إلى القاضي فأمَرَ رَجلًا بالمُقاسَمةِ معَه جازَ، وليسَ له أنْ يُقاسِمَ نفسَه؛ لأنها مأخوذةٌ مِنْ «المُفاعَلةِ»، فتَقتَضي المُشارَكةَ بينَ اثنَينِ فما فوقَهُما، ولو قَضى بجَوازِ الوَقفِ المَشاعِ ارتَفعَ الخِلافُ، ثمَّ أذا طَلَبا مِنْ القاضي القِسمةَ، قالَ أبو حَنيفةَ: لا تُقسَمُ، ويَأمرُهما بالمُهايَأةِ، وقالَا: يُقسَمُ إذا كانَ البَعضُ مِلكًا والبَعضُ وَقفًا، ولو كانَ الكلُّ وَقفًا فأرادَ أربابُه قِسمتَه لا يُقسَمُ، حتى لو وقَفَ ضَيعةً على ولَدَيهِ مثلًا فأرادَ أحَدُهُما قِسمتَها ليَدفَعَ نَصيبَه مُزارَعةً لا يَجوزُ، بل يَدفعُ القيِّمُ كُلَّها مُزارَعةً، وليس ذلكَ إلى أربابِه، وإنَّما هو للقيِّمِ، ولو قَسمَه الواقفُ بينَ أربابِه ليَزرعَ كلُّ واحِدٍ مِنهم نَصيبَه وليَكونَ المَزروعُ له دونَ شُركائِه تَوقَّفَ على رِضاهُم، ولو فعَلَ أهلُ الوَقفِ ذلكَ فيما بينَهُم جازَ، ولمَن أَبى مِنهم بعد ذلكَ إبطالُه.
ومَن وقَفَ دُورًا للاستِغلالِ ليسَ له أنْ يُسكِنَها أحَدًا بغيرِ أجرٍ، ولو وقَفَ دارَه لسُكنى ولَدَيهِ فطلَبَ أحَدُهُما المُهايَأةَ وأبَى الآخَرُ يَسكنُ كلٌّ نِصفًا بلا مُهايَأةٍ (١).
والشُّيوعُ المانِعُ للقِسمةِ فيما يَحتملُ القِسمةَ إنَّما يَكونُ مانِعًا مِنْ الوَقفِ عند مُحمدٍ إذا كانَ الشُّيوعُ وَقتَ القَبضِ لا وَقتَ العَقدِ.