للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن نُصيرِ بنِ يَحيَى أنه وقَفَ كُتبَه إلحاقًا لها بالمَصاحِفِ، قالَ البابَرتِيُّ : وهذا صَحيحٌ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ يُمسَكُ للدِّينِ تَعليمًا وتَعلُّمًا وقِراءةً، وأكثَرُ فُقَهاءِ الأمصارِ على قَولِ مُحمدٍ، وما لا تَعامُلَ فيهِ لا يَجوزُ عندَنا وَقفُه؛ لأنَّ الوَقفَ فيهِ لا يَتأبَّدُ، ولا بُدَّ منه على ما بيَّنَّاهُ، فصارَ كالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، بخِلافِ العَقارِ، ولا مُعارِضَ مِنْ حيثُ السَّمعُ ولا مِنْ حيثُ التَّعاملُ، فبَقيَ على أصلِ القِياسِ.

وهذا لأنَّ العَقارَ يَتأبَّدُ، والجِهادُ سَنامُ الدِّينِ، فكان معنَى القُربةِ فيهِما أقوَى، فلا يَكونُ غَيرُهما في مَعناهما (١).

وقالَ ابنُ عابدِينَ : وَقفُ المَنقولِ تَبعًا للعَقارِ فهو جائِزٌ بلا خِلافٍ عندَهُما … لا خِلافَ في صِحةِ وَقفِ السِّلاحِ والكُراعِ -أي الخَيلِ-؛ للآثارِ المَشهورةِ، والخِلافُ فيما سِوَى ذلكَ؛ فعندَ أبي يُوسفَ لا يَجوزُ، وعندَ مُحمدٍ يَجوزُ ما فيه تَعامُلٌ مِنْ المَنقولاتِ، واختارَهُ أكثَرُ فُقهاءِ الأمصارِ كما في «الهِدايَة»، وهو الصَّحيحُ كما في «الإسْعَاف»، وهو قَولُ أكثَرِ المَشايخِ كما في «الظَّهيرِيَّة»؛ لأنَّ القِياسَ قد يُتركُ بالتَّعاملِ.

ونقَلَ في «المُجتبَى» عن «السِّيَر» جَوازَ وَقفِ المَنقولِ مُطلَقًا عند مُحمدٍ، وإذا جَرى فيهِ التَّعاملُ عند أبي يُوسفَ، وتَمامُه في «البَحْر»، والمَشهورُ الأولُ (٢).


(١) «العناية شرح الهداية» (٨/ ٣٣٥).
(٢) «ابن عابدين» (٤/ ٣٦٣)، ويُنظَر: «المبسوط» (١٢/ ٤٥)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٢٠)، و «شرح فتح القدير» (٦/ ٢١٨، ٢١٩)، و «الاختيار» (٣/ ٥١)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٠٥، ١٠٧)، و «اللباب» (١/ ٦٢١، ٦٢٢)، و «الإسعاف» ص (٢٤)، و «البحر الرائق» (٥/ ٢١٦)، و «مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر» (٢/ ٥٧٨، ٥٨٠)، و «تنقيح الفتاوى الحامدية» (٢/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>