وأخرَجَ البُخاريُّ عن أبي هُريرةَ قالَ:«بعَثَني أبو بَكرٍ فيمَن يُؤذِّنُ يَومَ النَّحرِ بمِنًى: لا يَحجُّ بعدَ العامِ مُشرِكٌ ولا يَطوفُ بالبَيتِ عُريانُ»، فهذهِ نِيابةٌ مِنْ أبي هُريرةَ أيضًا، والمَقصودُ بالتَّبليغِ في هذهِ القصَّةِ أنْ تَكونَ مِنْ عَليٍّ.
فصلٌ: هذا كلُّه في وَقفٍ سكَتَ واقِفُه عن ذِكرِ الاستِنابةِ إباحَةً ومَنعًا وكانَ الواقفُ حُرًّا مالِكًا لِما وقَفَه، أمَّا وَقفٌ صرَّحَ واقِفُه بتَجويزِ الاستِنابةِ أو بمَنعِها، فإنه يُتَّبعُ شَرطُه لا مَحالةَ، وأمَّا وَقفٌ لم يَملكْه واقِفُه -وذلكَ كالذي وقَفَه أميرُ المُؤمنينَ أو السُّلطانُ مِنْ بَيتِ المالِ- فإنَّ ذلك حُكمُه حُكمُ الأرصادِ لا حُكمُ الأوقافِ التي مَلكَها واقِفُوها، فلا يَتقيَّدُ بما شرَطَه الواقفُ فيها؛ لأنه مالُ بَيتِ المالِ أُرصدَ لمَصالحِ المُسلمينَ، فإذا قُرِّرَ فيه بعضُ مَنْ له استِحقاقٌ في بَيتِ المالِ جازَ له أنْ يَأكلَ منه وإنْ لم يَقُمْ بذلكَ الشَّرطِ، ولو لم يَكنْ بصِفةِ الاستِحقاقِ مِنْ بيتِ المالِ لم يَجزْ له أنْ يَأكلَ منه ولو بَاشرَ تلكَ الوَظيفةَ، وبهذا صرَّحَ المُتأخِّرونَ أصحابُنا، فقالَ الزَّركشيُّ في «شَرح المِنهاجِ» في بابِ الإجارةِ: ظَنَّ بَعضُهم أنَّ الجامِكيَّةَ عن الإمامةِ والطَّلبِ ونحوِهما مِنْ بابِ الإجارةِ، حتى لا يَستحقُّ شيئًا إذا أخَلَّ ببَعضِ الصَّلواتِ أو الأيامِ، وليسَ كذلكَ، بل هو مِنْ بابِ الأرصادِ والأرزاقِ المَبنيِّ على الإحسانِ والمُسامَحةِ، بخِلافِ الإجارةِ؛ فإنها مِنْ بابِ المُعاوَضةِ، ولهذا يَمتنعُ أخذُ الأجرةِ على القَضاءِ ويَجوزُ إرزاقُه مِنْ بَيتِ المالِ بالإجماعِ. انتهى