وقد رُويَ عن مالِكٍ ﵀ فيمَن حَبسَ على وَلدِه ووَلدِ وَلدِه: أنَّ وَلدَ البَناتِ لا يَدخلونَ في ذلكَ، فيُحتملُ أنْ يُريدَ بوَلدِ البَناتِ وَلدَ بَناتِ أبناءِ المُحبِّسِ لا وَلدَ بناتِ المُحبِّسِ، ويُحتملُ أيضًا أنْ يَكونَ لم يَتكلَّمْ على أنَّ المُحبِّسَ نَصَّ على أنه حَبسَ على وَلدِه ووَلدِ وَلدِه، وإنَّما أرادَ الحَبسَ الذي يَكونُ على الوَلدِ ووَلدِ الوَلدِ بقَولِ الحابِسِ: حَبسْتُ على وَلدِي فقط.
وتأوَّلَ قَومٌ أنه إنَّما قالَ ذلكَ لأنَّ الناسَ كانوا بعَهدِه يُخرِجونَ البَناتِ مِنْ أحباسِهم، فحَمَلَ الأمرَ على المُتعارَفِ عندهُم، ولمْ يَلتفِتْ إلى لَفظِ المُحبِّسِ في قَولِه:«وَلدِي ووَلدِ وَلدِي» وما يُوجِبُه بحَقِّ عُمومِه.
وإنْ حُمِلَتِ الرِّوايةُ على ظاهِرِها -في أنَّ وَلدَ البَناتِ لا يَدخلونَ فيها، كانوا بَناتِ المُحبِّسِ أو بَناتِ أبنائِهِ، مع نَصِّ المُحبِّسِ على أنه حَبسٌ على وَلدِه ووَلدِ وَلدِه- فلها وَجهانِ:
أحَدُهما: أنَّ وَلدَ البَناتِ وإنْ كانوا وَلدَ وَلدِه فإنهم لا يَنتسبونَ إليه ولا يُوارِثونَه، فحُمِلَ على المُحبِّسِ أنه أرادَ مِنْ وَلدِ وَلدِه مَنْ يُنسَبُ إليه مِنهم ويُوارِثُه، دونَ مَنْ لا يَنتسبُ إليه منهم ولا يُوارِثُه؛ لأنَّ الميراثَ والنَّسبَ هو المعنَى الذي يُرادُ الوَلدُ له ويُرغبُ فيه مِنْ أجلِه، قالَ اللهُ ﷿: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٥، ٦]، وكانَ لفظُ وَلدِ الوَلدِ لا يَقعُ عندَه بإطلاقِه إلا على مَنْ يَرجعُ نَسبُه إليهِ.