للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَقفَ يَقتضِي التَّأبيدَ، وإنَّما صَرَفناهُ إلى هؤلاءِ لأنهُم أحَقُّ الناسِ بصَدقتِه، فصُرِفَ إليهِم مع بَقائِه صَدقةً، ويَحتمِلُ كلامُ الخِرقيِّ أنْ يُصرَفَ إليهِم على سَبيلِ الإرثِ ويَبطلَ الوَقفُ فيه، فعلى هذا يَكونُ كقَولِ أبي يُوسفَ.

(والرِّوايةُ الثانِيةُ): يَكونُ وَقفًا على أقرَبِ عَصَبةِ الواقفِ دونَ بَقيةِ الوَرثةِ مِنْ أصحابِ الفُروضِ، ودونَ البَعيدِ مِنْ العَصَباتِ، فيُقدَّمُ الأقرَبُ فالأقربُ على حَسبِ استِحقاقِهم لوَلاءِ المَوالي؛ لانهُم خُصُّوا بالعَقلِ عنه وبمِيراثِ مَواليه، فخُصُّوا بهذا أيضًا.

وهذا لا يَقوى عِندي؛ فإنَّ استِحقاقَهُم لهذا دونَ غَيرِهم مِنْ الناسِ لا يَكونُ إلا بدَليلٍ مِنْ نَصِّ أو إجماعٍ أو قِياسٍ، ولا نَعلمُ فيهِ نصًّا ولا إجماعًا، ولا يَصحُّ قِياسُه على مِيراثِ وَلاءِ المَوالي؛ لأنَّ عِلَّتَه لا تَتحقَّقُ هاهُنا، وأقرَبُ الأقوالِ فيهِ صَرفُه إلى المَساكينِ؛ لأنهم مَصارِفُ مالِ اللهِ تعالى وحُقوقِه، فإنْ كانَ في أقاربِ الواقفِ مَساكينُ كانوا أَولى به لا على سَبيلِ الوُجوبِ، كما أنهُم أَولى بزَكاتِه وصِلاتِه مع جَوازِ الصَّرفِ إلى غَيرهِم، ولأنَّنا إذا صَرَفناهُ إلى أقارِبِه على سَبيلِ التَّعيينِ فهي أيضًا جِهةٌ مُنقطِعةٌ، فلا يَتحقَّقُ اتِّصالُه إلا بصَرفِه إلى المَساكينِ، وقالَ الشافعيُّ: يَكونُ وَقفًا على أقرَبِ الناسِ إلى الواقفِ، الذَّكرُ والأُنثى فيهِ سَواءٌ.

فَصلٌ: فإنْ لم يَكنْ للواقِفِ أقارِبُ أو كانَ له أقارِبُ فانقَرَضوا صَرَفَه إلى الفُقراءِ والمَساكينِ وَقفًا عليهم؛ لأنَّ القَصدَ به الثَّوابُ الجاري عليه على وَجهِ الدَّوامِ، وإنَّما قَدَّمْنا الأقارِبَ على المَساكينِ لكَونِهم أَولى، فإذا لم يَكونوا

<<  <  ج: ص:  >  >>