للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا: أنه أزالَ مِلكَه للهِ تعالى، فلم يَجُزْ أنْ يَرجعَ إليه كما لو أعتَقَ عَبدًا، والدَّليلُ على صَرفِه إلى أقارِبِ الواقفِ أنهم أَولَى الناسِ بصَدقتِه، بدَليلِ قَولِ النبيِّ : «صَدَقتُكَ على غيرِ رَحمِكَ صَدقةٌ، وصَدَقتُكَ على رَحمِكَ صَدقةٌ وصِلةٌ»، وقالَ : «إنَّكَ إنْ تَدعْ وَرثتَكَ أغنياءَ خَيرٌ مِنْ أنْ تَدعَهُم عالَةً يَتكفَّفونَ الناسَ»، ولأنَّ فيه إغناءَهُم وصِلةَ أرحامِهم؛ لأنهم أَولَى الناسِ بصَدقاتِه النَّوافلِ والمَفروضاتِ، كذلكَ صَدَقتُه المَنقولةُ.

إذا ثبَتَ هذا فإنهُ في ظاهِرِ كَلامِ الخِرقيِّ وظاهرِ كَلامِ أحمدَ يَكونُ للفُقراءِ مِنهم والأغنياءِ؛ لأنَّ الوَقفَ لا يَختصُّ الفُقراءَ، ولو وقَفَ على أولادِه تَناوَلَ الفُقراءَ والأغنياءَ، كذا هاهُنا.

وفيهِ وَجهٌ آخَرُ: أنه يَختصُّ الفُقراءَ منهم؛ لأنهم أهلُ الصَّدقاتِ دونَ الأغنياءِ، ولأنَّا خصَّصَناهُم بالوَقفِ؛ لكَونِهم أَولَى الناسِ بالصَّدقةِ، وأَولَى الناسِ بالصَّدقةِ الفُقراءُ دونَ الأغنِياءِ.

واختَلفَتِ الرِّوايةُ فيمَن يَستحِقُّ الوَقفَ مِنْ أقرِباءِ الواقفِ:

ففي إحدَى الرِّوايتَينِ: يَرجعُ إلى الوَرثةِ مِنهم؛ لأنهمُ الذينَ صرَفَ اللهُ تعالى إليهم مالَه بعدَ مَوتِه واستِغنائِه عنه، فكذلكَ يُصرفُ إليهِم مِنْ صَدَقتِه ما لم يَذكرْ له مَصرِفًا، ولأنَّ النبيَّ قالَ: «إنَّكَ إنْ تَدعْ وَرثتَكَ أغنياءَ خَيرٌ مِنْ أنْ تَدعَهُم عالَةً يَتكفَّفونَ الناسَ»، فعَلى هذا يَكونُ بينَهُم على حَسبِ مِيراثِهم، ويَكونُ وَقفًا عليهم، نَصَّ عليه أحمدُ وذكَرَه القاضي؛ لأنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>