للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي: يَصحُّ الوَقفُ رِوايةً واحِدةً؛ لأنَّ أحمَدَ نَصَّ عليها في رِوايةِ جَماعةٍ، وبذلكَ قالَ ابنُ أبي لَيلى وابنُ شُبرمةَ وأبو يُوسفَ والزُّبيرُ وابنُ شُريحٍ.

وقالَ مالِكٌ والشافِعيُّ ومُحمدُ بنُ الحَسنِ: لا يَصحُّ الوَقفُ؛ لأنه إزالةُ الملكِ، فلمْ يَجُزِ اشتِراطُ نَفعِه لنَفسِه كالبَيعِ والهِبةِ وكما لو أعتَقَ عَبدًا بشَرطِ أنْ يَخدمَه، ولأنَّ ما يُنفِقُه على نَفسِه مَجهولٌ، فلم يَصحَّ اشتِراطُه كما لو باعَ شيئًا واشتَرطَ أنْ يَنتفعَ به.

ولنَا: الخبَرُ الذي ذكَرَه الإمامُ أحمدُ، ولأنَّ عُمرَ لَمَّا وقَفَ قالَ: «ولا بَأسَ على مَنْ وَلِيَها أنْ يَأكلَ منها أوْ يُطعِمَ صَديقًا غيرَ مُتموِّلٍ فيهِ»، وكانَ الوَقفُ في يَدِه إلى أنْ ماتَ، ولأنه إذا وقَفَ وَقفًا عامًّا كالمَساجدِ والسِّقاياتِ والرِّباطاتِ والمَقابرِ كانَ له الانتفاعُ به، فكذلكَ هاهُنا، ولا فرْقَ بينَ أنْ يَشترطَ لنَفسِه الانتفاعَ به مدَّةَ حياتِه أو مدَّةً مَعلومةً مُعيَّنةْ، وسواءٌ قدَّرَ ما يَأكلُ منه أو أطلَقَه، فإنَّ عُمرَ لم يُقدِّرْ ما يأكلُ الوالي وما يُطعِمْ إلا بقَولِه: «بالمَعروفِ»، وفي حَديثِ صَدقةِ رَسولِ اللهِ «أنه شرَطَ أنْ يَأكلَ أهلُه منها بالمَعروفِ غيرِ المُنكَرِ».

إلا أنه إذا شرَطَ أنْ يَنتفعَ به مدَّةً مُعيَّنةً فماتَ فيها فيَنبغي أنْ يَكونَ ذلكَ لوَرثتِه، كما لو باعَ دارًا واشتَرطَ أنْ يَسكُنَها سَنةً فماتَ في أثنائِها، واللهُ أعلَمُ.

وإنْ شرَطَ أنْ يَأكلَ أهلُه منه صَحَّ الوَقفُ والشَّرطُ؛ لأنَّ النبيَّ شرَطَ ذلكَ في صَدقتِه، وإنِ اشتَرطَ أنْ يَأكلَ مَنْ وَلِيَه منه

<<  <  ج: ص:  >  >>