للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْ يأكلَ منه غيرَ مُتموِّلٍ»، وقد كانَ وَلِيَها بنفسِه، ولأنه أحَدُ نَوعَي الوَقفِ، فصَحَّ أنْ يكونَ الواقفُ أحدَ المَوقوفِ عليهم كالمَقبرةِ أو المَسجدِ، ولأنه وَقفٌ على مُعيَّنٍ، فصارَ كما لو وقَفَ على وَلدِه؛ لأنه شرَطَ الإنفاقَ منه على مَنْ لا مَعصيةَ عليه في الإنفاقِ عليه، كما لو شرَطَ أنْ يُنفقَ على غيرِه.

ولأنَّ الوَقفَ إزالةَ المِلكِ إلى اللهِ تعالى على وَجهِ القُربةِ، فإذا شرَطَ البَعضَ أو الكلَّ لنَفسِه فقدْ جعَلَ ما صارَ مَملوكًا للهِ تعالى لنَفسِه، لا أنْ يَجعلَ مِلكَ نَفسِه لنَفسِه، وهذا جائزٌ، كما إذا بَنى خانًا أو سِقايةً أو جعَلَ أرضَه مَقبرةً وشرَطَ أنْ يَنزلَه أو يَشربَ منه أو يُدفنَ فيه، ولأنَّ مَقصودَه القُربةُ، وفي الصَّرفِ إلى نَفسِه صَدقةٌ، قالَ : «نَفقةُ الرَّجلِ على نَفسِه صَدقةٌ»، قالَ ابنُ الهُمامِ : رُويَ معنَى هذا الحَديثِ مِنْ طُرقٍ كثيرةٍ يَبلغُ بها الشُّهرةَ، فرَوى ابنُ ماجَه مِنْ حَديثِ المِقدامِ بنِ مَعدِ يَكرِبَ عنه قالَ: «ما مِنْ كَسبِ الرَّجلِ كَسبٌ أطيَبُ مِنْ عَملِ يَدِه، وما أنفَقَ الرَّجلُ على نَفسِه وأهلِه ووَلدِه وخادِمِه فهو له صَدقةٌ»، وأخرَجَه النَّسَائيُّ عن بَقيَّةَ عن بَحيرٍ بلَفظِ: «ما أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فهو لَكَ صَدقةٌ» الحَديث، وأخرَجَ ابنُ حبَّانَ في صَحيحِه عن أبي سَعيدٍ عن النبيِّ قالَ: «أيُّما رَجلٍ كسَبَ مالًا حلالًا فأطعَمَه نفسَه أو كَساها فمَن دونَه مِنْ خَلقِ اللهِ تَعالى فإنَّ له بها زَكاةً» (١)، ورواهُ الحاكِم إلا أنه قالَ: «فإنه له زَكاةٌ» وقالَ: صَحيحُ الإسنادِ ولم يُخرِّجاهُ.


(١) رواه ابن حبان في «صحيحه» (٤٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>