وسُئلَ ابنُ حجَرَ الهَيتميُّ ﵀ عن الرَّهنِ على الكُتبِ المَوقوفةِ كما جَرَتْ به العادةُ، هل يَصحُّ؟
فأجابَ بقَولِه: الذي صَرَّحوا به أنَّ مِنْ شَرطِ المَرهونِ به كُونَه دَينًا، ومُقتضاهُ بُطلانُ ذلكَ كغيرِها مِنْ الأعيانِ، وبه صرَّحَ الماوَرديُّ، لَكنْ أفتَى القفَّالُ فيما إذا وقَفَ كِتابًا أو غيرَه وشرَطَ أنْ لا يُعارَ إلا برَهنٍ بلُزومِ هذا الشَّرطِ ولا يُعارُ إلا برَهنٍ، وبحَثَ فيهِ السُّبكيُّ بما حاصِلُه أنه إنْ عَنى الرَّهنَ الشَّرعيَّ فلا يَصحُّ الرَّهنُ، أو اللُّغويَّ وأرادَ أنْ يَكونَ المَرهونُ تَذكرةً صَحَّ، وإنْ لم يُعلَمْ مُرادُه فيُحتملُ بُطلانُ الشَّرطِ؛ حَملًا على الشَّرعيِّ، ثم لا يَجوزُ إخراجُه بالرَّهنِ؛ لتَعذُّرِه، ولا بغَيرِه؛ إمَّا لأنه خِلافُ شَرطِ الواقفِ وإمَّا لفسادِ الاستِثناءِ، فكأنه قالَ: لا يَخرجُ مُطلقًا، ولو قالَ ذلكَ صَحَّ؛ لأنه غَرضٌ صَحيحٌ؛ لأنَّ إخراجَه مَظنَّةُ ضياعِه.
ويُحتملُ صِحةُ الشَّرطِ؛ حَملًا على المَعنى اللُّغويِّ، قالَ: وهذا هو الأقرَبُ تَصحيحًا للكَلامِ ما أمكَنَ. اه.
واعتَرضَ الزَّركشيُّ قَولَه:«الأقربُ صِحتُه وحَملُه على اللُّغويِّ»؛ لأنَّ الأحكامَ الشَّرعيةَ لا تَتبعُ اللُّغةَ، وكيفَ يُحكَمُ بالصِّحةِ مع أنه لا يَجوزُ له حَبسُه شَرعًا، وأيُّ فائِدةٍ في الصِّحةِ حِينَئِذٍ؟! اه، وقد يُجابُ بأنَّ تَسميتَهُ رَهنًا مع كَونِ المَرهونِ به عَينًا تَدلُّ على قَصدِه للرَّهنِ بالمَعنى اللُّغويِّ لا الشَّرعيِّ، وحِينئذٍ فما قالَه السُّبكيُّ مُتَّجِهٌ، ويَكونُ الواقفُ شرَطَ لجَوازِ الانتِفاعِ بالمَوقوفِ شَرطًا، وهو وَضعُ عَينٍ عند الناظرِ أو غَيرِه إلى انقِضاءِ