للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ نُجَيمٍ : وظَاهرُ ما في «الخانِيَّة» أنه لو جعَلَ دارَه مَسجدًا على أنه بالخِيارِ صَحَّ الوَقفُ وبطَلَ الشَّرطُ بلا خِلافٍ (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : وإنْ شرَطَ الخِيارَ في الوَقفِ فسَدَ، ونَصَّ عليهِ أحمدُ، وبه قالَ الشافِعيُّ.

وقالَ أبو يُوسفَ في رِوايةٍ عنه: يَصحُّ؛ لأنَّ الوَقفَ تَمليكُ المَنافعِ، فجازَ بشَرطِ الخِيارِ فيهِ كالإجارةِ.

ولنا: أنه شَرطٌ يُنافي مُقتَضى العَقدِ، فلم يَصحَّ كَما لو شرَطَ أنَّ له بَيعَه متى شاءَ؛ لإنه إزالةُ مِلكٍ للهِ تعالى، فلم يَصِحَّ اشتِراطُ الخِيارِ فيها كالعِتقِ، ولأنه ليس بعَقدِ مُعاوَضةٍ، فلم يَصحَّ اشتِراطُ الخِيارِ فيهِ كالهِبةِ، ويُفارِقُ الإجارةَ؛ فإنها عَقدُ مُعاوَضةٍ وهي نَوعٌ مِنْ البَيعِ، ولأنَّ الخِيارَ إذا دخَلَ في العَقدِ منَعَ ثُبوتَ حُكمِه قبلَ انقِضاءِ الخِيارِ أو التَّصرفِ، وهاهُنا لو ثبَتَ الخِيارُ لَثبَتَ مع ثُبوتِ حُكمِ الوَقفِ ولمْ يَمنعِ التَّصرفَ، فافتَرَقَا (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ في المُعتمَدِ والشافِعيةُ في مُقابِلِ الصَّحيحِ والسَّمتِيُّ مِنْ الحَنفيةِ إلى أنه إذا اشتَرَطَ الخِيارَ في الوَقفِ صَحَّ الوَقفُ وبطَلَ الشرطُ، كما لو طلَّقَ على أنْ لا رَجعةَ له، وكما في حَديثِ العُمْرَى أنه قالَ: «أَمسِكُوا عليكُم أموالَكُم ولا تُفسِدُوها، فإنه مَنْ أعمَرَ عُمرَى فهي للَّذي


(١) «البحر الرائق» (٥/ ٢٠٣، ٢٠٤)، و «أحكام الوقف» لهلال الرأي (١٤٩، ١٦١)، و «الهداية» (٣/ ١٨)، و «العناية» (٨/ ٣٥٢).
(٢) «المغني» (٥/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>