للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتقرَّبُ به إلى اللهِ تعالى بطَلَ الباقي؛ لأنه لمَّا بطَلَ ما جعَلَه للمَساكينِ بارتِدادِه فكأنه وقَفَ ولم يَجعلْ آخِرَه للمَساكينِ، وإذا لم يَكنْ آخِرُه لهم لا يَصحُّ الوَقفُ على قَولِ مَنْ لا يُجيزُه إلا بجَعلِ آخِرِه لهم، وكذلكَ لو وقَفَ على أهلِ بَيتِه أو على قَرابتِه أو على مَواليهِ أو على بَني فُلانٍ أبدًا ثم مِنْ بَعدِهم على المَساكينِ فإنه يَبطلُ بمَوتِه مُرتدًّا، ولو وقَفَ وهو مُرتدٌّ كانَ وَقفُه باطِلًا؛ لأنَّ أبا حَنيفةَ لا يُجيزُ تَصرُّفَه في المالِ الذي في يَدِه، حتى لو قُتلَ على رِدَّتِه أو ماتَ عليها يَكونُ جَميعُ تَصرُّفاتِه في مالِه باطِلةً، والمَحفوظُ عن أبي يُوسفَ أنَّ بَيعَه وشِراءَه واستِئجارَهُ ونحوَه جائِزٌ، قالَ الخَصَّافُ: ولم يُرْوَ عنه فيما يُتقرَّبُ به إلى اللهِ تعالى شيءٌ نَعرفُه، وقالَ: ألَا تَرَى أنه لو أَوصَى بعِتقِ عَبدٍ له أو أَوصى بحَجٍّ أو بعُمرةٍ أو أَوصى للمَساكينِ بشيءٍ أنَّ ذلكَ باطِلٌ لا يَجوزُ؛ لأنه لا يَملكُ مِنْ مالِه شيئًا بعدَ مَوتِه، فكيفَ تَجوزُ وَصيَّتُه بحَجٍّ أو بغَزوٍ أو بصَدقةٍ وهو كافِرٌ بالذي يَتقرَّبُ إليهِ بذلكَ؟! نَسألُ اللهَ الثَّباتَ على الدِّينِ والمَوتَ على الإسلامِ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ إلى أنَّ المُرتدَّ إذا أوقَفَ شَيئًا ثم ارتَدَّ لا يَبطلُ ما أوقَفَه قبلَ ردَّتِه، قالَ الحَطَّابُ : وما أعتَقَه أو أعطاهُ لغَيرِه قبلَ ردَّتِه فإنه لا يَبطلُ، وانظُرْ ما حُكمُ وَقفِه، والظَّاهرُ أنَّ وقْفَه لا يَبطلُ قِياسًا على العِتقِ، واللهُ أعلَمُ (٢).


(١) «الإسعاف» ص (١٤٥).
(٢) «مواهب الجليل» (٨/ ٢٧١)، و «منح الجليل» (٩/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>