إحداهُما: لو وقَفَ ثمَّ ارتَدَّ -والعِياذُ باللهِ تعالى- بطَلَ وَقفُه وإنْ عادَ إلى الإسلامِ ما لم يُعِدْ وقْفَه بعد عَودِه؛ لحُبوطِ عَملِه بالرِّدةِ، ونظَرَ فيهِ ابنُ الشِّحنةِ في شَرحِه بأنَّ الحُبوطَ في إبطالِ الثَّوابِ لا فيما تَعلَّقَ به حقُّ الفُقراءِ، وأجابَ الشُّرنبلالِيُّ في شَرحِه بما في «الإسْعَاف» مِنْ أنه لمَّا جعَلَ آخِرَه للمَساكينِ وذلكَ قُربةٌ فبطَلَ. اه
قُلتُ: وهذا الجَوابُ غيرُ مُلاقٍ للسُّؤالِ، وإنَّما ذكَرَه في «الإسْعَاف» جَوابًا عن سُؤالٍ آخَرَ، وهو أنه إذا وقَفَه على قَومٍ بأعيانِهِم لم يَكنْ قُربةً، فأجابَ بما ذُكِرَ، فالجَوابُ الصَّحيحُ: أنَّ الوَقفَ على الفُقراءِ قُربةٌ باقيةٌ إلى حالِ الرِّدةِ، والرِّدةُ تُبطِلُ القُربةَ التي قارَنَتْها، كما لو ارتَدَّ في حالِ صَلاتِه أو صَومِه، بخِلافِ ما إذا ارتَدَّ بعد صلاتِه أو صِيامِه فإنه لا يَبطلُ نَفسُ الفِعلِ، بل ثَوابُه فقط، وأمَّا حقُّ الفُقراءِ فإنَّما هو في الصَّدقةِ فقط، فإذا بطَلَ التصدُّقُ الذي هو معنَى الوَقفِ بطَلَ حقُّهُم ضِمنًا وإنْ كانَ لا يُمكِنُ إبطالُه قَصدًا كما يَبطلُ في خَرابِ الوَقفِ وخُروجِه عن المَنفعةِ، هذا ما ظهَرَ لي فافهَمْ.
الثانيةُ: لو وقَفَ في حالِ رِدتِه فهو مَوقوفٌ عندَ الإمامِ، فإنْ عادَ إلى الإسلامِ صَحَّ، وإلا بأنْ ماتَ أو قُتلَ على رِدَّتِه أو حُكِمَ بلحاقِهِ بطَلَ، ولا رِوايةَ فيهِ عن أبي يُوسفَ، وعند مُحمدٍ: يَجوزُ منه ما يَجوزُ مِنْ القَومِ الذينَ انتَقلَ إلى دِينِهم.