للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها في أيَّامِ الجاهِليةِ مُختلَفٌ فيهِ، والأصَحُّ أنه إذا دخَلَ في عَهدِ عَقدِ الذِّمة لا يُتعرَّضُ له (١).

وقالَ المالِكيةُ: يَصحُّ الوَقفُ مِنْ الذِّميِّ فيما ليس بمَعصيةٍ كالمُسلِم، أمَّا ما فيهِ مَعصيةٌ فباطِلٌ، كما لو وقَفَ الذِّميُّ على الكَنيسةِ مُطلَقًا، سَواءٌ كانَ لعُبَّادِها أو لمَرَمَّتِها؛ لأنَّ المَذهبَ خاطَبَهم بفُروعِ الشَّريعةِ في المُعتمدِ.

ولابنِ رُشدٍ قَولٌ ثانٍ فيهِ تَفصيلٌ: وحاصِلُه أنَّ وقْفَ الكافِرِ على عُبَّادِ الكَنيسةِ باطِلٌ؛ لأنه مَعصيةٌ، وأمَّا على مَرَمَّتِها أو على الجَرحَى أو المَرضَى التي فيها فالوَقفُ صَحيحٌ مَعمولٌ به، فإذا أرادَ الواقفُ أو الأسْقُفُ بيْعَه ونُوزِعَ في ذلكَ وتَرافَعوا إلينا راضِينَ بحُكمِنا فإنَّ للحاكمِ أنْ يَحكمَ بينَهُم بحُكمِ الإسلامِ مِنْ صِحَّةِ الحَبسِ وعَدمِ بَيعِه.

ولعِياضٍ قَولٌ ثالِثٌ: وهو أنَّ الوَقفَ على الكَنيسةِ مُطلَقًا صَحيحٌ غيرُ لازِمٍ، سواءٌ أشهَدُوا على ذلكَ الوَقفِ أم لا، بانَ مِنْ تحتِ يَدِ الواقفِ أم لا، وللواقِفِ الرُّجوعُ فيه مَتى شاءَ.

قالُوا: ويَبطلُ ولا يَصحُّ الوَقفُ مِنْ الكافرِ ولو ذِميًّا على مَسجدٍ مِنْ مَساجِدِ المُسلِمينَ، أو على رِباطٍ أو قُربةٍ مِنْ القُرَبِ الدِّينيةِ، ولذلكَ رَدَّ الإمامُ مالِكٌ دينارَ النَّصرانيةِ عليها حيثُ بعَثَتْ به إلى الكَعبةِ (٢).


(١) «البحر الرائق» (٥/ ٢٠٤، ٢٠٥)، و «المحيط البرهاني» (٦/ ١٣٤)، و «مجمع الأنهر» (٢/ ٥٦٨)، و «ابن عابدين» (٤/ ٣٤١)، و «تنقيح الفتاوى الحامدية» (٢/ ٢٣٥).
(٢) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٤٥٩، ٤٦٠)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٨٢)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٩/ ١٦٢)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٦٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>