وذهَبَ بَعضُ الحَنفيةُ كأبي السُّعودِ وتِلميذِه الشَّيخِ إسماعيلَ الحائِكِ لعَدمِ صِحَّةِ الوَقفِ في هذه الحالةِ.
فقدْ سُئِلَ الإمامُ ابنُ عابدِينَ ﵀ في رَجُلٍ صَحيحٍ مَديونٍ دَينًا مُستَغرِقًا إذا وقَفَ وَقفًا على جِهةِ بِرٍّ لا تَنقطِعُ، وسجَّلَه القاضي تَسجيلًا شَرعيًّا، ثمَّ ماتَ، فهل يُنقَضُ وَقفُه لأربابِ الدُّيونِ أو لا؟
أجابَ: حَيثُ صارَ الوَقفُ مُسجَّلًا شَرعًا لا يُنقَضُ لذلكَ؛ لأنَّ الوَقفَ تَبرعٌ، ولم يُشترطْ لصحَّتِه بَراءةُ الذِّمةِ مِنْ الدَّينِ المُستغرِقِ بالإجماعِ، هذا إذا لم يَكُنْ مَحجورًا عليه بسَفهٍ أو بدَينٍ على رَأيِ مَنْ يَراهُ، ولا يَثبتُ الحَجرُ إلَّا بالقَضاءِ كما صَرَّحوا به، قالَ في «الإسْعَاف»: وإنْ لم يَكنْ مَحجورًا عليه -يَعني المَديونَ- يَصِحُّ وَقفُه وإنْ قصَدَ به ضرَرَ غُرمائِه. اه
وصرَّحَ به غَيرُه، فقدْ خالَفَ وقْفَ المَريضِ مرَضَ المَوتِ المُحيطِ دَينُه بمالِه؛ لتَعلُّقِ حقِّ الغُرَماءِ حِينئذٍ بالعَينِ، وهُنا بالذِّمةِ مَحضًا، وبَنى عُلماؤُنا الأحكامَ على ذلكَ، وأمَّا إذا كانَ مَحْجورًا عليه فأطلَقَ الخَصَّافُ أنه لا يَصحُّ، وقالَ ابنُ الهُمامِ: يَنبغي أنْ يَصحَّ، وهو الصَّحيحُ عندَ المُحَقِّقينَ، وعندَ الكُلِّ إذا حكَمَ به حاكِمٌ. اه
(أقولُ): قالَ العَلائيُّ في «الدُّرّ المُختَار»: وبطَلَ وَقفُ راهِنٍ مُعسِرٍ ومَريضٍ مَديونٍ بمُحيطٍ بخِلافِ صَحيحٍ لو قبلَ الحَجرِ، ثمَّ قالَ: قلتُ: لَكنْ في «مَعروُضات» المُفتِي أبي السُّعودِ سُئلَ عمَّنْ وقَفَ على أولادِه وهرَبَ مِنْ الدُّيونِ، هل يَصحُّ؟