ولو أَوصَى بأنْ يُوقَفَ ثُلثُ أرضِه بعدَ وَفاتِه للهِ تعالى أبَدًا تَكونُ وَصيةً بالوَقفِ على الفُقراءِ، ولو قالَ:«أَرضِي هذه صَدقةٌ مَوقوفةٌ على فُلانٍ» صَحَّ، ويَصيرُ تَقديرُه:«صَدقةٌ مَوقوفةٌ على الفُقراءِ»؛ لأنَّ مَحلَّ الصدقةِ الفُقراءُ، إلا أنَّ غلَّتَها تَكونُ لفُلانٍ ما دامَ حَيًّا، ومِثلُه لو قالَ:«صَدقةٌ مَوقوفةٌ على زَيدٍ أبدًا، أو قالَ: على وَلَدي أبدًا»؛ لأنه يَصحُّ مِنْ غَيرِ ذِكرِ الأبَدِ فمَعَ ذِكرِه أَولى، ولا يَصحُّ على قَولِ يُوسفَ بنِ خالدٍ السَّمتِيّ وإنْ ذكرَ الأبَدَ؛ لأنَّ ذِكرَ لَفظِ الأبَدِ مُضافٌ إلى الصَّدقةِ على زَيدٍ أو وَلدِه، وهو لا يَتأبَّدُ، فيَلغو هذا اللَّفْظُ … (١).
وقالَ هِلالُ الرَّأيِ ﵀: قالَ أبو حَنيفةَ ﵀: إذا قالَ الرَّجلُ: «أَرضِي هذه صَدقةٌ» وسَمَّى مَوضِعَها وحُدودَها ولم يَزِدْ على هذا شَيئًا أنه يَنبغي أنْ يتصدَّقَ بأَصلِها على الفُقراءِ والمَساكينِ، أو يَبيعَها ويَتصدَّقَ بثَمنِها على المَساكينِ، ولا تَكونُ وَقفًا، وهذا قَولُنا …
قُلتُ: أرَأيتَ إنْ قالَ: «أَرضِي هذهِ صَدقةٌ على المَساكينِ»؟
قالَ: هذا والبابُ الأولُ سَواءٌ، وهذا قَولُ أبي حَنيفةَ وقَولُنا.
قلتُ: وسَواءٌ إنْ قالَ: «صَدقةٌ على المَساكينِ» أو قالَ: «صَدقةٌ» وسكَتَ؟
قالَ: نعمْ، هُمَا سَواءٌ، وكلُّ صَدقةٍ لا تُضافُ إلى أحَدٍ فهيَ للمَساكينِ.
قلتُ: أرَأيتَ رَجلًا قالَ: «أَرضِي هذهِ -وسَمَّى حُدودَها ومَوضِعَها- مَوقوفةٌ» ولمْ يَزِدْ على ذلكَ قَليلًا ولا كَثيرًا؟