فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ أبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ -وعليهِ الفتوَى- والمالِكيةُ والحَنابلةُ والشافِعيةُ في مُقابلِ الأظهَرِ-اختارَه الشَّيخُ أبو حامدٍ صاحِبُ «المُهذَّب» والرويانِيُّ ومالَ إليهِ السُّبكيُّ- إلى أنه لا يُشترطُ ذِكرُ الجِهةِ، فلو قالَ:«وقَفْتُ» وسكَتَ صَحَّ الوَقفُ، ويُصرفُ بعدَ ذلكَ للفُقراءِ والمَساكينِ إذا لم يَكنْ هُناكَ عُرفٌ، كما لو نذَرَ هَدْيًا أو صَدقةً ولم يُبيِّنِ المَصرِفَ، ولأنه إزالةُ مِلكٍ على وَجهِ القُربةِ كالأُضحيةِ، ولأنَّ المالكَ هو اللهُ ﷾، ولحَديثِ أبي طَلحةَ وأبي الدَّحداحِ ﵄، وكما لو قالَ:«أوصَيتُ بثُلثِي» فإنه يَصِحُّ ويُصرَفُ إلى المَساكينِ.
قالَ المالِكيةُ: لا يُشترطُ في الوَقفِ تَعيينُ المَصرِفِ في مَحلِّ صَرفِه، فجازَ أنْ يَقولَ:«أوقَفتُه للهِ تعالى» مِنْ غيرِ تَعيينِ مَنْ يُصرَفُ له، ويَلزمُ بهذا ويُصرَفُ ريعُه إنْ تَعذَّرَ سُؤالِ المُحبِّسِ في غالبِ عُرفِهم كأهلِ العِلمِ أو القِراءةِ، فإنْ لم يَكنْ غالِبٌ في عُرفِهم فيُصرَفُ على الفُقراءِ (١).
أحَدُهما: أنَّ الوَقفَ باطِلٌ؛ لأنهُ تَمليكٌ، فلا يَصحُّ مُطلَقًا، كما لو قالَ:«بِعتُ داري ووَهبتُ مالي».
(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٤٧٤)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٩١)، و «الفواكه الدواني» (٢/ ١٦٢)، و «منح الجليل» (٨/ ١٤٥)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٦٤١، ٦٥٣)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٩/ ١٣٩).