أمَّا إذا وقَفَ وشرَطَ لنَفسِه أنْ يَحرِمَ مَنْ شاءَ ويَزيدَ مَنْ شاءَ أو يُقدِّمَ أو يُؤخِّرَ فالشَّرطُ فاسِدٌ في الأصَحِّ إذا أنشَأَ الوَقفَ بهذا الشَّرطِ، فلو أطلَقَه ثمَّ أرادَ أنْ يُغيِّرَ ما ذكَرَه بحِرمانٍ أو زيادةٍ أو تَقديمٍ أو تَأخيرٍ فليسَ له ذلكَ قَطعًا (١).
وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وإنْ شرَطَ أنْ يَبيعَ الوَقفَ متى شاءَ أو يهَبَه أو يَرجعَ فيهِ لم يَصحَّ الشَّرطُ ولا الوَقفُ، لا نَعلمُ فيهِ خِلافًا؛ لأنه يُنافي مُقتضَى الوَقفِ.
ويُحتملُ أنْ يَفسدَ الشَّرطُ ويَصحَّ الوَقفُ؛ بِناءً على الشُّروطِ الفاسِدةِ في البَيعِ.
وإنْ شرَطَ الخِيارَ في الوَقفِ فسَدَ، ونَصَّ عليه أحمَدُ، وبه قالَ الشافعيُّ.
وقالَ أبو يُوسفَ في رِوايةٍ عنهُ: يَصحُّ؛ لأنَّ الوَقفَ تَمليكُ المَنافعِ، فجازَ بشَرطِ الخِيارِ فيه كالإجارةِ.
ولنا: إنه شَرطٌ يُنافي مُقتضَى العَقدِ، فلمْ يَصحَّ كما لو شرَطَ أنَّ له بَيعَه مَتى شاءَ؛ لأنه إزالةُ مِلكِ اللهِ تعالَى، فلمْ يَصحَّ اشتِراطُ الخِيارِ فيها كالعِتقِ، ولأنهُ ليسَ بعَقدِ مُعاوَضةٍ، فلمْ يَصحَّ اشتِراطُ الخِيارِ فيه كالهِبةِ، ويُفارِقُ الإجارةَ؛ فإنها عَقدُ مُعاوَضةٍ وهي نَوعٌ مِنْ البَيعِ، ولأنَّ الخِيارَ إذا دخَلَ في العَقدِ منَعَ ثُبوتَ حُكمِهِ قبلَ انقِضاءِ الخِيارِ أو التَّصرفِ، وهاهُنا لو ثبَتَ الخِيارُ لَثبَتَ مع ثُبوتِ حُكمِ الوَقفِ ولمْ يَمنعِ التَّصرفَ، فافتَرقَا.
(١) «مغني المحتاج» (٣/ ٤٦٧)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٣١)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٤٨٧، ٤٨٨)، و «الديباج» (٢/ ٥٢٤).