وقالَ البابَرتيُّ ﵀: ولو شرَطَ الواقِفُ الخِيارَ لنَفسِه في الوَقفِ ثَلاثةَ أيامٍ جازَ الوَقفُ والخِيارُ عندَ أبي يُوسفَ؛ بِناءً على التَّوسِعةِ كما مَرَّ، وعندَ مُحمدٍ الوَقفُ باطِلٌ، وإنَّما قيِّدَ بقَولِه:«ثَلاثةَ أيَّامٍ» لتَكونَ مدَّةُ الخِيارِ مَعلومةً، حتى لو كانَتْ مَجهولةً لا يَجوزُ الوَقفُ على قَولِ أبي يُوسفَ أيضًا، قَولُه:«وهذا -أي: الخِلافُ- بِناءً على ما ذكَرْناه» إشارةٌ إلى أنَّ جعْلَ غَلَّةِ الوَقفِ لنَفسِه جائِزٌ عندَ أبي يُوسفَ؛ فإنه لمَّا جازَ أنْ يَستثنيَ الواقفُ الغلَّةَ لنَفسِه ما دامَ حَيًّا فكذلكَ يَجوزُ اشتِراطُ الخِيارِ لنَفسِه ثَلاثةَ أيامٍ ليُروِّيَ النظَرَ فيهِ.
وعند مُحمدٍ لمَّا لمْ يَجُزْ ذلكَ لم يَجُزِ اشتِراطُ الخِيارِ لنَفسِه أيضًا، وبهذا البِناءِ صرَّحَ في «المَبسُوط».
ثُمَّ لَمَّا لم يَصحَّ الوَقفُ بشَرط الخِيارِ عند مُحمدٍ لم يَنقلِبِ الوَقفُ جائِزًا بإبطالِ الخِيارِ بعد ذلكَ؛ لأنَّ الوَقفَ لا يَجوزُ إلا مُؤبَّدًا، وشَرطُ الخِيارِ يَمنعُ التَّأبيدَ، فكانَ شَرطُ الخِيارِ شَرطًا فاسِدًا في نفسِ العَقدِ، فكانَ المُفسِدُ قَويًّا (١).
وأمَّا المالِكيةُ فقالَ الدُّسوقيُّ ﵀: ولَزمَ الوَقفُ ولو لمْ يُحَزْ، فإذا أرادَ الواقفُ الرُّجوعَ فيهِ لا يُمكَّنُ، وإذا لم يُحَزْ عنه أُجبِرَ على إخراجِه مِنْ تَحتِ يَدِه للمَوقوفِ عليه.