للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَيدٍ إلى أنْ يَحضُرَ عَمرٌو، أو يُولدَ لي وَلدٌ» ونحوَه؛ لأنه نَقلٌ للمِلكِ فيما لم يُبْنَ على التَغليبِ والسِّرايةِ، فلمْ يَجُزْ تَعليقُه بشَرطٍ في الحَياةِ كالهِبةِ (١).

إلا أنَّ الحَنفيةَ والشافِعيةَ والحَنابلةَ القائِلينَ بعَدمِ صحَّةِ تَعليقِ الوَقفِ استَثنَوا مِنْ ذلكَ التَّعليقَ بالمَوتِ، فإنْ علَّقَه به كقَولِه: «وَقَفتُ دارِي بعد مَوتي على الفُقراءِ» فإنه يَصحُّ -وَقفًا أو وَصيةً على خِلافٍ بينَهُم-؛ لأنه تَبرعٌ مَشروطٌ بالمَوتِ أشبَهَ ما لو قالَ: «قِفُوا دارِي على جِهةِ كذا بعد مَوتي»، واحتَجَّ الإمامُ أحمدُ بأنَّ عُمرَ وَصَّى فكانَ في وَصيَّتِه: «هذا ما أَوصَى به عَبدُ اللهِ عُمرُ أميرُ المُؤمِنينَ إنْ حَدَثَ به حَدثُ المَوتِ أنَّ ثَمغًا (٢) صَدقةٌ» وذكَرَ بَقيةَ الخبَرِ، ووَقفُه هذا كانَ بأمرِ النبيِّ واشتَهرَ في الصَّحابةِ ولمْ يُنكَرْ فكانَ إجماعًا، ويُفارِقُ التَّعليقَ بشَرطٍ في الحياةِ؛ لأنَّ هذا وَصيةٌ، وهي أوسَعُ مِنْ التَّصرفِ في الحياةِ، بدَليلِ جَوازِها بالمَجهولِ والمَعدومِ.

ويَكونُ حُكمُ الوَقفِ المُعلَّقُ بالمَوتِ حُكمَ الوَصيةِ مِنْ ثُلثِ مالِه، فإنْ كانَ قدْرَ الثُّلثِ فأقلَّ لَزمَ، وإنْ زادَ عن الثُّلثِ تَوقَّفَ لُزومُ الوَقفِ في الزَّائدِ على إجازةِ الوَرثةِ.


(١) «الشرح الكبير» (٦/ ١٩٨، ١٩٩)، و «المبدع» (٥/ ٣٢٣)، و «الإنصاف» (٧/ ٢٣)، وشرح منتهى الإرادات» (٤/ ٣٤٣)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٠٤، ٣٠٥)، و «الروض المربع» (٢/ ١٧٢)، و «مطالب أولي النهي» (٤/ ٢٩٢)، و «منار السبيل» (٢/ ٣٢٧).
(٢) ثمَغٌ -بفتحِ المِيمِ-: مالٌ بالمَدينةِ لعُمرَ وقَفَه، قالَه في «القامُوس المحيط».

<<  <  ج: ص:  >  >>