داودَ وأبي طالبٍ فيمَن أدخَلَ بَيتًا في المَسجدِ وأَذِنَ فيه: لم يَرجعْ فيه، وكذلكَ إذا اتَّخذَ المَقابرَ وأَذِنَ للناسِ والسِّقايةَ فليسَ له الرُّجوعُ، وهذا قَولُ أبي حَنيفةَ.
وذكرَ القاضي فيه رِوايةً أُخرى: أنه لا يَصيرُ وَقفًا إلا بالقَولِ، وهذا مَذهَبُ الشافِعيِّ، وأخَذَه القاضي مِنْ قَولِ أحمَدَ إذ سَألَه الأثرمُ عن رَجلٍ أحاطَ حائِطًا على أرضٍ ليَجعلَها مَقبرةً ونَوى بقلبِه، ثمَّ بَدا له العَودُ، فقالَ: إنْ كانَ جعَلَها للهِ فلا يَرجعُ، وهذا لا يُنافي الرِّوايةَ الأُولى؛ فإنه أرادَ بقَولِهِ:«إنْ كانَ جعَلَها للهِ» أي: نَوى بتَحويطِها جعْلَها للهِ، فهذا تأكيدٌ للرِّوايةِ الأُولى وزيادةٌ عليها؛ إذ منَعَه مِنْ الرُّجوعِ بمُجرَّدِ التَّحويطِ مع النِّيةِ، وإنْ أرادَ بقَولِه:«جعَلَها للهِ» أي: اقتَرنَتْ بفِعلِه قَرائنُ دالَّةٌ على إرادةِ ذلكَ مِنْ إذنِه للناسِ في الدَّفنِ فيها، فهي الرِّوايةُ الأُولى بعَينِها، وإنْ أرادَ وَقفًا بلِسانه فيَدلُّ بمَفهومِه على أنَّ الوَقفَ لا يَحصلُ بمُجرَّدِ التَّحويطِ والنِّيةِ، وهذا لا يُنافي الرِّوايةَ الأولى؛ لأنه في الأولى انضَمَّ إلى فِعلِه إذنُه للناسِ في الدَّفنِ، ولم يُوجَدْ هاهنا، فلا تَنافِيَ بينَهُما، ثمَّ لم يُعلَمْ مُرادُه مِنْ هذه الاحتِمالاتِ، فانتَفَتْ هذه الرِّوايةُ وصارَ المَذهبُ رِوايةً واحِدةً، واللهُ أعلَمُ.
واحتَجُّوا بأنَّ هذا تَحبيسُ أصلٍ على وَجهِ القُربةِ، فوجَبَ ألا يَصحَّ بدونِ اللَّفظِ كالوَقفِ على الفُقراءِ.
ولنا: إنَّ العُرفَ جارٍ بذلكَ، وفيهِ دَلالةٌ على الوَقفِ، فَجازَ أنْ يَثبتَ به كالقَولِ، وجرَى مَجرى مَنْ قدَّمَ إلى ضَيفِه طعامًا كانَ إذنًا في أَكلِه، ومَن مَلأَ