للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَنفعةِ، فأشبَهَ سائرَ التَّمليكاتِ، ويُخالِفُ البَيعَ حيثُ انعَقدَ بالمُعاطاةِ على وَجهٍ؛ لأنَّ البَيعَ كانَ في الجاهِليةِ والشَّرعُ ورَدَ بإباحتِه، فجَرى عليه، والوَقفُ لم يُعهدْ، فاتُّبعَ فيهِ ما ورَدَ به الشَّرعُ.

إلا إذا بَنى مَسجدًا في المَواتِ قاصِدًا به ذلكَ فإنه يَصيرُ مَسجدًا، ويَقومُ الفِعلُ مع النِّيةِ مَقامَ اللَّفظِ، ويَزولُ مِلكُه عن الآلَةِ بعدَ استِقرارِها في مَوضعِها.

وعُلِمَ مِنْ هذا أنه لو بَنى مَسجدًا وأَذِنَ في الصلاةِ فيه لم يَصِرْ مَسجدًا، وكذا لو أَذِنَ في الدَّفنِ في مِلكِه لم يَصِرْ مَقبرةً.

وإذا رَأيْنا مَسجدًا يُصلِّي الناسُ فيه فيَستمِرُّ حُكمُه ولا يُغيَّرُ، لأنه في أيدي المُسمَّينَ لذلكَ.

هذا كلُّه في النَّاطقِ، أمَّا الأخرَسُ فيَصحُّ بإشارَتِه المُفهِمةِ كغَيرِه مِنْ التَّبرعاتِ، وأمَّا الكاتِبُ فيَصحُّ بكتابَتِه مع النِّيةِ (١).

قالَ ابنُ قُدامةَ : ظاهِرُ مَذهبِ أحمَدَ أنَّ الوَقفَ يَحصلُ بالفِعلِ مع القَرائنِ الدالَّةِ عليه، مِثلَ أنْ يَبنيَ مَسجدًا ويَأذنَ للناسِ في الصلاةِ فيه، أو مَقبرةً ويَأذنَ في الدَّفنِ فيها، أو سِقايةً ويَأذنَ في دُخولِها، فإنه قالَ في رِوايةِ أبي


(١) «المهذب» (١/ ٤٤٢)، و «البيان» (٨/ ٧٣)، و «الوسيط» (٥/ ١٨٣، ١٨٤)، و «روضة الطالبين» (٤/ ١٤١)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٦١، ٤٦٢)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٢٥)، و «كنز الراغبين» (٣/ ٢٤٧)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٤٧٧)، و «الديباج» (٢/ ٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>