قالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: الحَبسُ والوَقفُ فمَعناهُما واحِدٌ لا يَفتَرقانِ في وَجهٍ مِنْ الوُجوهِ.
وقالَ القاضي عبدُ الوَهابِ ﵀: الألفاظُ التي يَنعقِدُ بها الوَقفُ هي أنْ يقولَ: «وقَفْتُ وحَبَّسْتُ وتَصدَّقْتُ» وما أشبَهَ ذلكَ مِمَّا يُفيدُ مَعناهُ.
فأمَّا لَفظُ الوَقفِ فإنه صَريحٌ في التَّأبيدِ، فإذا قالَ:«وقَفْتُ هذه الدارَ» وقالَ: «هذه الدارُ وَقفٌ» كانَ هذا القَدرُ كافيًا في تأبيدِ تَحريمِها، فلا يَرجعُ مِلكًا أبدًا، وإنْ ضَمَّ إلى ذلكَ أنْ يقولَ:«وَقفٌ لا تُباعُ ولا تُوهبُ ولا تُورثُ» فذلكَ تأكيدٌ، والاقتِصارُ على لَفظِ الوَقفِ كافٍ.
وإنَّما قُلنا ذلكَ لأنَّ مَفهومَ هذه اللَّفظةِ في العُرفِ أنه يُقصدُ بها السَّبيلُ وتَأبيدُ حَبسِها وتَمليكُ مَنفعتِها على الدَّوامِ، فوجَبَ الحُكمُ بذلكَ فيها.
فأمَّا لَفظُ الحَبسِ فهو أنْ يَقولَ:«دارِي هذه حَبسٌ في وجهِ كذا» أو لا يَقولَ، لكن إنْ قالَ:«حَبسٌ» فقطْ، أو قالَ:«قد حَبسْتُها» فإنها تَكونُ حَبسًا في الوَجهِ الذي جعَلَه فيه، وإنْ لم يَذكرْ له وجهًا بل قالَ:«حَبسٌ» فقطْ صُرِفَ في وُجوهِ البِرِّ والخَيرِ، فأمَّا الحُكمُ في تأبيدِه فيُنظرْ؛ فإنْ لم يَنضمَّ إلى ذلكَ أنْ يقولَ:«وَقفٌ لا تُباعُ ولا تُوهبُ» أو غيرُ ذلكَ ممَّا يُفيدُ التأبيدَ وكانَتْ على مُعيَّنٍ أو جَماعةٍ بأعيانِهم غيرِ مَجهولينَ ولا مَوصوفينَ مثلِ أنْ يَقولَ: «حَبسٌ على فُلانٍ» لرَجُلٍ بعَينِه، أو على قَومٍ بأعيانِهم ولم يَذكرْ عَقِبًا ولا نَسلًا فقدِ اختَلفَ قولُه في ذلكَ، هل يَتأبَّدُ أم لا؟ ففيهِ رِوايتانِ: