للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذا احتَجَّ أيضًا مالِكٌ لمَّا ناظَرَ أبا يُوسفَ بحَضرةِ الرَّشيدِ فقالَ: هذه أحباسُ رَسولِ اللهِ وصَدَقاتُه يَنقلُها الخَلَفُ عن السَّلفِ قَرنًا بعدَ قَرنٍ، فقالَ حِينئذٍ أبو يُوسفَ: كانَ أبو حَنيفةَ يَقولُ: إنها غيرُ جائزةٍ، وأنا أقولُ: إنها جائِزةٌ، فرجَعَ في الحالِ عن قَولِ أبي حَنيفةَ إلى الجَوازِ، ورُويَ أنَّ رَجُلًا مِنْ أهلِ العِراقِ سَألَ مالِكًا عن صَدقةِ الحَبسِ فقال: إذا حِيزَتْ مَضَتْ، فقالَ العِراقيُّ: إنَّ شُريحًا قال: «لا حَبسَ عن كِتابِ اللهِ» قال: فضَحكَ مالِكٌ وكانَ قَليلَ الضَّحكِ- وقالَ: يَرحمُ اللهُ شُريحًا، لو دَرَى ما صنَعَ أصحابُ رَسولِ اللهِ ههُنا ما قالَه (١).

قالَ ابنُ مُفلِحٍ : قالَ القُرطبيُّ: لا خِلافَ بينَ الأئمَّةِ في تَحبيسِ القَناطرِ والمَساجدِ، واختَلَفوا في غيرِ ذلكَ، والأولُ قَولُ أكثرِ العُلماءِ سَلفًا وخلَفًا، قالَ أحمَدُ: مَنْ يَرُدُّ الوَقفَ إنَّما يَردُّ السُّنةَ التي أجازَها النبيُّ وفعَلَها أصحابُه (٢).

وقالَ الكاسانِيُّ : لا خِلافَ بينَ العُلماءِ في جَوازِ الوَقفِ في حقِّ وُجوبِ التصدُّقِ بالفَرعِ ما دامَ الواقفُ حَيًّا، حتى إنَّ مَنْ وقَفَ دارَه أو أرضَه يَلزمُه التصدُّقُ بغلَّةِ الدارِ والأرضِ، ويَكونُ ذلكَ بمَنزلةِ النَّذرِ بالتصدُّقِ بالغلَّةِ، ولا خِلافَ أيضًا في جَوازِه في حَقِّ زَوالِ مِلكِ الرَّقبةِ إذا اتَّصلَ به


(١) «المقدمات الممهدات» (٢/ ٤١٧، ٤١٨).
(٢) «المبدع» (٥/ ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>