فَذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ -على تَفصيلٍ سَيَأتي- والمالِكيَّةُ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ الوَكالةَ تَبطُلُ بالرِّدَّةِ.
قالَ الحَنفيَّةُ: إذا لَحِقَ المُوكِّلُ بدارِ الحَربِ مُرتَدًّا بطَلتْ وَكالَتُه عندَ أبي حَنيفةَ؛ لأنَّ تَصرُّفاتِ المُرتَدِّ مَوقوفةٌ عندَه، فكانَتْ وَكالةُ الوَكيلِ مَوقوفةً أيضًا؛ فَإنْ أسلَمَ المُوكِّلُ نُفِّذَتْ، وهو على وِكالَتِه، وإنْ قُتِلَ أو لَحِقَ بدارِ الحَربِ بطَلتْ.
وَعندَهُما: لا يَخرُجُ به الوَكيلُ عن الوَكالةِ؛ لأنَّ تَصرُّفاتِه نافِذةٌ، فكذا الوَكالةُ، إلَّا أنْ يَموتَ أو يُقتَلَ على رِدَّتِه أو يُحكَمَ بلَحاقِه.
وإنْ كانَ المُوكِّلُ امرَأةً فارتَدَتْ، فالوَكيلُ على وَكالَتِه حتى تَموتَ أو تَلحَقَ بدارِ الحَربِ ويُحكَمَ بلَحاقِها إجماعًا؛ لأنَّ رِدَّةَ المَرأةِ لا تَمنَعُ نَفاذَ تَصرُّفِها، ولا تُؤَثِّرُ في عُقودِها، ولا تُزيلُ أملاكَها؛ لأنَّها لا تَقتُلُ، ما خَلا التَّوكيلَ بالتَّزويجِ؛ فإنَّ رِدَّتَها تُخرِجُ الوَكيلَ به مِنْ الوَكالةِ؛ لأنَّها حِينَ كانَتْ مالِكةً لِلعَقدِ وَقتَ التَّوكيلِ تَثبُتُ الوَكالةُ في الحالِ، ثم بِرِدَّتِها تَخرُجُ مِنْ أنْ تَكونَ مالِكةً لِلعَقدِ، فيَكونُ ذلك عَزلًا مِنها لِوَكيلِها، فبعدَما انعزَل لا يَعودُ وَكيلًا إلَّا بالتَّجديدِ.