للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ قَبضَ الدَّيْنِ ممَّا يَحتاجُ إلى الرَّأْيِ والأمانةِ، وقَد فوَّض الرَّأْيَ إليهما جَميعًا، لا إلى أحَدِهِما، ورَضيَ بأمانَتِهما جَميعًا، لا بأمانةِ أحَدِهِما؛ فَإنْ قبَض أحَدُهما لَم يُبْرِئْه الغَريمُ حتى يَصِلَ ما قَبَضَه إلى صاحِبِه، فيَقَعَ في يَدَيْهِما جَميعًا، أو يَصِلَ إلى المُوكِّلِ؛ لأنَّه لمَّا وَصَلَ المَقبوضُ إلى صاحِبِه، أو إلى المُوكِّلِ فقَد حصَل المَقصودُ بالقَبضِ فصارَ كَأنَّهما قَبَضاه جَميعًا ابتِداءً.

وأمَّا الوَكيلانِ بالطَّلاقِ على غيرِ مالٍ، والعِتقِ على غيرِ مالٍ، والوَكيلانِ بتَسليمِ الهِبةِ، وقَضاءِ الدَّيْنِ، ورَدِّ الوَديعةِ والعارِيةِ والغَصبِ، فيَنفَرِدُ أحَدُهما بالتَصرُّفِ فيما وُكِّلَا بهِ؛ لأنَّ هذه التَصرُّفاتِ ممَّا لا تَحتاجُ إلى الرَّأْيِ، فكانَتْ إضافةُ التَّوكيلِ إليهما تَفويضًا لِلتَصرُّفِ إلى كلِّ واحِدٍ مِنهُما بانفِرادِه.

وأمَّا الوَكيلانِ بالخُصومةِ، فكلُّ واحِدٍ مِنهُما يَتصرَّفُ بانفِرادِه عندَ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ ومُحمَّدٍ؛ لأنَّ الغَرَضَ مِنْ الخُصومةِ إعلامُ القاضي بما يَملِكُه المُخاصِمُ، واستِماعُه واجتِماعُ الوَكيلَيْنِ على ذلك يُخِلُّ بالإعلامِ والِاستِماعِ؛ لأنَّ ازدِحامَ الكَلامِ يُخِلُّ بالفَهْمِ، فكانَتْ إضافةُ التَّوكيلِ إليهما تَفويضًا لِلخُصومةِ إلى كلِّ واحِدٍ مِنهُما، فأيُّهما خاصَمَ كانَ تَمثيلًا، إلَّا أنَّه لا يَملِكُ أحَدُهما القَبضَ دونَ صاحِبِه، وإنْ كانَ الوَكيلُ بالخُصومةِ يَملِكُ القَبضَ؛ لأنَّ اجتِماعَهُما على القَبضِ مُمكِنٌ، فلا يَكونُ راضيًا بقَبضِ أحَدِهِما بانفِرادِه (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٣٢، ٣٣)، و «العناية» (١١/ ١٨٤، ١٨٥)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٧٤)، و «الاختيار» (٣/ ١٩٥)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٨٥، ٤٨٧)، و «اللباب» (١/ ٥٥٩، ٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>