وقالَ الإمامُ الشَّافِعيُّ ﵀: وإذا وكَّل الرَّجلُ الرَّجلَ بوَكالةٍ فليسَ لِلوَكيلِ أنْ يُوكِّلَ غيرَه، مَرِضَ الوَكيلُ، أو أرادَ الغَيبةَ، أو لَم يُرِدْها؛ لأنَّ المُوكِّلَ له رِضًا بوَكالَتِه، ولَم يَرْضَ بوَكالةِ غيرِه، فإنْ قالَ: وله أنْ يُوكِّلَ مِنْ رَأْيٍ، كانَ ذلك له برِضَا المُوكِّلِ (١).
قالَ الماوَرديُّ ﵀: اعلَمْ أنَّ ما تَضمَّنتْه الوَكالةُ مِنْ العَملِ ضَربانِ: ضَربٌ يُمكِنُه التَّفرُّدُ بعَملِه، وضَربٌ لا يُمكِنُه التَّفرُّدُ بعَملِه.
فأمَّا ما لا يُمكِنُه التَّفرُّدُ بعَملِه فكَرَجُلٍ وُكِّلَ في نَقلِ حُمولةٍ، أو في عِمارةِ ضَيعةٍ أو بِناءٍ، فيَجوزُ أنْ يُوكِّلَ فيه مَنْ يَعمَلُ مَعه ما لَم يُنْهَ عنه صَريحًا، ويَكونَ الثَّاني والأوَّلُ وَكيلَيْنِ لِلمُوكِّلِ، لا يَنعزِلُ الثَّاني بعَزلِ الأوَل، وهَكذا لو وُكِّلَ فيما يُمكِنُ الواحِدُ أنْ يَنفَرِدَ به، إلَّا أنَّ الوَكيلَ لا يُحسِنُ عَملَه ولا يَعرِفُ صُنعَه، كَرَجُلٍ وُكِّلَ في نَسْجِ ثَوبٍ، وهو لا يُحسِنُ النَّسجَ، أو في صِياغةِ حُلِيٍّ، فيَجوزُ له أنْ يُوكِّلَ ويَستَنيبَ في عَملِه، ويَكونَ معنَى تَوكيلِه فيه -وهو لا يُحسِنُ الصَّنعةَ- استِنابَتَه في تَوكيلِ مَنْ يُحسِنُها. وهَكذا لو وُكِّلَ فيما لَم تَجْرِ عادَتُه بفِعلِه، وإنْ كانَ يُحسِنُه، كَرَجُلٍ وُكِّلَ في النِّداءِ على ثَوبٍ، ولَم تَجْرِ عادَتُه بالنِّداءِ، أو وُكِّلَ في غُسلٍ، ولَم تَجْرِ عادَتُه بالغُسلِ، فيَجوزُ له اعتِبارًا بالعُرفِ فيه أنْ يُوكِّلَ فيما وُكِّلَ مَنْ جَرَتْ عادَتُه به.