وَعلَّل الحَنفيَّةُ ذلك بأنَّ مُطلَقَ الأمْرِ يَتقيَّدُ بالمُتَعارَفِ؛ لأنَّ التَصرُّفاتِ لِدَفعِ الحاجاتِ، فتَتَقيَّدُ بمَواقِعِها، والمُتَعارَفُ البَيعُ بالنُّقودِ، ولِهذا يَتقيَّدُ الوَكيلُ بشِراءِ الفَحمِ بأيَّامِ البَردِ، وبِالجَمْدِ، بسُكونِ الميمِ: ما جَمُدَ مِنْ الماءِ لِشِدَّةِ البَردِ، وهو تَسميةٌ لِلِاسمِ بالمَصدَرِ، بأيَّامِ الصَّيفِ، وبِالأُضحيَّةِ بأيَّامِ النَّحرِ، أو قبلَها، كلُّ ذلك مِنْ تلك السُّنَّةِ، حتى لو اشترَى ذلك في السَّنةِ الثَّانيةِ لَم يَلزَمِ الآمِرَ، ولأنَّ المُقايَضةَ بَيعٌ مِنْ وَجهٍ، وشِراءٌ مِنْ وَجهٍ؛ لأنَّه مِنْ حيثُ إنَّ فيه إخراجَ السِّلعةِ مِنْ المِلْكِ بَيعٌ، ومِن حيثُ إنَّ فيه تَحصيلَ السِّلعةِ في المِلْكِ شِراءٌ، لا يَتناوَلُه مُطلَقُ اسمِ البَيعِ؛ لأنَّ المُطلَقَ يَنصَرِفُ إلى الكامِلِ (١).
وقالَ المالِكيَّةُ: يَتعيَّنُ على الوَكيلِ عندَ الإطلاقِ أنْ يَبيعَ بالنَّقدِ، فإنْ خالَفَ الوَكيلُ، بأنْ باعَ بعَرَضٍ أو حَيَوانِ، خُيِّرَ المُوكِّلُ بينَ إجازةِ البَيعِ، ويَأخُذُ الثَّمنَ أو يَرُدُّه ويَأخُذُ سِلعَتَه إنْ كانَتْ قائِمةً، فإنْ فاتَتْ لَزِمَ الوَكيلَ قِيمَتُها يَومَ قَبضِها، إلَّا أنْ يَكونَ الذي وُكِّلَ على بَيعِه شَأنُه أنْ يُباعَ بالعُروضِ، لِقِلَّةِ ثَمَنِه، كالبَقْلِ وما أشبَهَ ذلك؛ فإنَّه يَلزَمُ المُوكِّلَ.
وَمِنْ «المُدوَّنةِ» قالَ الإمامُ مالِكٌ ﵀: وإنْ وَكَّلتَ رَجُلًا على بَيعِ طَعامٍ أو عَرَضٍ، فباعَه بغيرِ العَينِ مِنْ عَرضٍ أو غيرِه، وانتُقِدَ، فأَحَبُّ
(١) «العناية شرح الهداية» (١١/ ١٦٦، ١٦٧)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ٢٧٠)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٩٩)، و «اللباب» (٢/ ٥٦٤)، و «الاختيار» (٢/ ١٩٤)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٧٢)، والهندية» (٣/ ٥٨٨)، و «مجمع الضمانات» (١/ ٥٤١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute