قالَ ابنُ الهُمامِ ﵀: المَقصودُ الأصلِيُّ مِنْ التَّكاليفِ الِابتِلاءُ؛ لِيَظهَرَ مِنْ المُكَلَّفِ ما سبَق العِلمُ الأزَليُّ بوُقوعِه مِنه، مِنْ الِامتِثالِ بالصَّبرِ على ما أُمِرَ به، تارِكًا هَوَى نَفْسِه؛ لِإقامةِ أمْرِ رَبِّه، فيُثابَ، أو من المُخالَفةِ فيُعفَى عنه أو يُعاقَبَ، فتحقَّقَ بذلك آثارُ صِفاتِه تَعالى؛ فإنَّه تَعالى اقتَضَتْ حِكمَتُه الباهِرةُ وكمالُ فَضلِه وإحسانِه ألَّا يُعَذِّبَ بما علِم أنَّه سَيَقَعُ مِنْ المُخالَفةِ قبلَ ظُهورِه عن اختِيارِ المُكَلَّفِ.
ثم مِنْ التَّكاليفِ العِباداتُ، وهي بَدنيَّةٌ وماليَّةٌ ومُركَّبةٌ مِنهُما، والمَشقَّةُ في البَدنيَّةِ تُقيِّدُ الجَوارِحَ والنَّفْسَ بالأفعالِ المَخصوصةِ في مَقامِ الخِدمةِ … فكلُّ ما تَضمَّن المَشقَّةَ لا يَخرُجُ عن عُهدَتِه إلَّا بفِعلِه بنَفْسِه؛ إذْ بذلك يَتحقَّقُ مَقصودُ الِابتِلاءِ والِاختِبارِ؛ فلِذا لَم تَجُزِ النِّيابةُ في البَدنيَّةِ؛ لأنَّ فِعلَ غيرِه لا يَتحقَّقُ به الِاشتِقاقُ على نَفْسِه بمُخالَفةِ هَواها بالصَّبرِ عليه (١).
وقالَ الماوَرديُّ ﵀: وجُملةُ الأعمالِ أنَّها تَنقَسِمُ إلى أربَعةِ أقسامٍ: قِسمٍ يَجوزُ فيه التَّوكيلُ مَع العَجزِ والقُدرةِ، وقِسمٍ لا يَجوزُ التَّوكيلُ فيه، مَع العَجزِ والقُدرةِ، وقِسمٍ يَجوزُ التَّوكيلُ فيه مَع العَجزِ، ولا يَجوزُ مَع القُدرةِ، وقِسمٍ لا يَجوزُ التَّوكيلُ فيه مَع القُدرةِ، واختَلَفوا في جَوازِ التَّوكيلِ فيه مَع العَجزِ … فَممَّا لا يَجوزُ فيه التَّوكيلُ مَع القُدرةِ واختَلفَ قَولُه في جَوازِ التَّوكيلِ فيه مَع العَجزِ، الصِّيامُ؛ فإنَّ مَنْ وجَب عليه الفَرضُ حَيًّا لَم يَجُزِ الصِّيامُ عنه، سَواءٌ كانَ عاجِزًا أو مُطيقًا، وإنْ كانَ مَيِّتًا كانَ الشَّافِعيُّ يَقولُ في