للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الماوَرديُّ : وذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ وسائِرُ العُلماءِ إلى أنَّ النِّيابةَ في الصَّلاةِ لا تَصحُّ بحالٍ، مَع قُدرةٍ ولا عَجزٍ؛ لأنَّ الصَّلاةَ كالإيمانِ، لأنَّها قَولٌ وعَمَلٌ ونِيَّةٌ، ثم لَم تَجُزِ النِّيابةُ في الإيمانِ إجماعًا، فلَمْ تَجُزْ في الصَّلاةِ حِجَاجًا، فأمَّا رَكعَتا الطَّوافِ؛ فلأنَّها تَبَعٌ لِمَا تَصحُّ فيه النِّيابةُ، فخُصَّتْ بالجَوازِ؛ لِاختِصاصِها بالمَعنى (١).

قالَ ابنُ الهُمامِ : المَقصودُ الأصلِيُّ مِنْ التَّكاليفِ الِابتِلاءُ؛ لِيَظهَرَ مِنْ المُكَلَّفِ ما سبَق العِلمُ الأزَلِيُّ بوُقوعِه مِنه مِنْ الِامتِثالِ بالصَّبرِ على ما أُمِرَ به تارِكًا هَوَى نَفْسِه، لِإقامةِ أمْرِ رَبِّه فيُثابَ، أو من المُخالَفةِ فيُعفَى عنه، أو يُعاقَبَ، فتحقَّقَ بذلك آثارُ صِفاتِه تَعالى؛ فإنَّه تَعالى اقتَضَتْ حِكمَتُه الباهِرةُ وكمالُ فَضلِه وإحسانِه ألَّا يُعذِّبَ بما علِم أنَّه سَيَقَعُ مِنْ المُخالَفةِ قبلَ ظُهورِه عن اختِيارِ المُكَلَّفِ.

ثم مِنْ التَّكاليفِ العِباداتُ، وهي بَدنيَّةٌ وماليَّةٌ ومُرَكَّبةٌ مِنهُما، والمَشقَّةُ في البَدنيَّةِ تُقيِّدُ الجَوارِحَ والنَّفْسَ بالأفعالِ المَخصوصةِ في مَقامِ الخِدمةِ، وفي الماليَّةِ في تَنقيصِ المالِ المَحبوبِ لِلنَّفْسِ، وفيها مَقصودٌ آخَرُ، وهو سَدُّ حاجةِ المُحتاجِ، والمَشقَّةُ فيها ليسَتْ به، بَلِ التَّنقيصُ، فكلُّ ما تَضمَّن المَشقَّةَ لا يَخرُجُ عن عُهدَتِه، إلَّا بفِعلِه بنَفْسِه؛ إذْ بذلك يَتحقَّقُ مَقصودُ الِابتِلاءِ والِاختِبارِ؛ فلِذا لَم تَجُزِ النِّيابةُ في


(١) «الحاوي الكبير» (١٥/ ٣١٣، ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>