قالَ المالِكيَّةُ: يَجوزُ له أنْ يُوكِّلَ مَنْ يُبرِئُ مَنْ له عليه حَقٌّ مِنْ مالٍ أو غيرِه مِنه، سَواءٌ علِم المُوكِّلُ والوَكيلُ ومَن عليه الحَقُّ بالمُبْرأِ مِنه أو جَهِلوا؛ فالتَّوكيلُ بالإبراءِ لا يَستَدعي عِلمَ المُوكِّلِ بمَبلَغِ الدَّينِ المُبْرَأِ مِنه، ولا عِلمَ الوَكيلِ، ولا عِلمَ مَنْ عليه الحَقُّ؛ لأنَّها هِبةٌ مَجهولةٌ، وهي جائِزةٌ عندَنا، ولأنَّه مَحضُ تَرْكٍ، ولأنَّه التَّرْكُ لا مانِعِيَّةَ لِلغَرَرِ فيه، كَقَولِ المُدوَّنةِ: إنْ كانَ لكَ عليه دَراهِمُ نَسيتَ مَبلَغَها جازَ أنْ تَصطَلِحا على ما شِئتُما (١).
وقالَ الحَنابِلةُ: تَصحُّ الوَكالةُ بالإبراءِ، ولو كانَ الدَّيْنُ المُبْرَأُ مِنه مَجهولًا لِرَبِّ الدَّيْنِ والمَدِينِ، أو كانَ مَجهولًا لِأحَدِهِما، وسَواءٌ جَهِلَا قَدْرَه أو جَهِلَا وَصْفَه أو جَهِلَاهُمَا، أي: القَدْرَ والوَصْفَ، ويَصحُّ الإبراءُ مِنْ المَجهولِ ولو لَم يَتعَذَّرْ عِلمُه، على الصَّحيحِ مِنْ المَذهبِ؛ لأنَّه إسقاطُ حَقٍّ فيَنفُذُ مَع العِلمِ والجَهلِ، كالعِتقِ والطَّلاقِ. فيَصحُّ الإبراءُ مِنْ المَجهولِ في جَميعِ الحُقوقِ المَجهولةِ، لكنْ لو جَهِلَه رَبُّ الدَّيْنِ وعلِمه مَنْ عليه الحَقُّ وكَتَمَه المَدِينُ عن رَبِّ الدَّيْنِ؛ خَوْفًا مِنْ أنَّه -أي: رَبَّ الدَّيْنِ- لو علِمه -أي: الدَّيْنَ- لَم يُبْرِئْه رَبُّ الدَّيْنِ مِنه لَم تَصِحَّ البَراءةُ؛ لأنَّ فيه تَغريرًا لِلمُبِرِئِ، وقَد أمكَنَ التَّحَرُّزُ مِنه. وظاهِرُ كَلامِ أبي الخَطَّابِ الصِّحَّةُ مُطلَقًا، قالَ: وهذا أقرَبُ.
(١) «الشرح الكبير» (٥/ ٥٣)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٢٧٩)، و «التاج والإكليل» (٤/ ١٩٥)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٣٣)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٦٩)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ٦٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute