للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففَعلَ ذلك، غيرَ أنَّ العِوَضَ أقَلُّ مِنْ قِيمةِ الهِبةِ، فهو جائِزٌ في قَولِ أبي حَنيفةَ بِناءً على أصْلِه في اعتِبارِ إطلاقِ اللَّفظِ؛ فإنَّ اسمَ العِوَضِ يَتناوَلُ القَليلَ والكَثيرَ، ولا يَجوزُ في قَولهما إلَّا أنْ يَكونَ العِوَضُ مثلَ المَوهوبِ أو دونَه بما يَتغابَنُ النَّاسُ في مِثلِه بِناءً على أصلِهما في تَقييدِ مُطلَقِ اللَّفظِ باعتِبارِ العادةِ.

وإذا وكَّل المَوهوبُ له وَكيلًا بأنْ يُعَوِّضَ ولَم يُسَمِّه فدفَع عِوَضَه مِنْ عُروضِ المَوهوبِ له لَم يَجُزْ؛ لأنَّ ما أمَرَه بدَفْعِه مَجهولٌ جَهالةً مُستَدرَكةً لا يَقدِرُ الوَكيلُ على تَحصيلِ مَقصودِ المُوكِّلِ، فكانَ التَّوكيلُ باطِلًا بمَنزِلةِ قَوله: بِعْ شَيئًا مِنْ مالي، واستَبدِلْ شَيئًا، إلَّا أنْ يَكونَ قالَ له: عَوِّضْ له مِنْ مالي ما شِئتَ، فحينَئذٍ يَكونُ له أنْ يُعَوِّضَ ما شاءَ؛ لأنَّه فوَّض الأمْرَ إلى رَأْيِه على العُمومِ.

وإنْ قالَ له: عَوِّضْ عَنِّي مِنْ مالِكَ على أنِّي ضامِنٌ له، فعوَّضه عِوَضًا، جازَ، ورجَع بمِثلِه على الآمِرِ، إنْ كانَ له مِثلٌ، وبِقيمَتِه إنْ لَم يَكُنْ له مِثلٌ؛ لأنَّه باشتِراطِ الضَّمانِ على نَفْسِه يَصيرُ مُستَقرِضًا مِنه بعِوَضٍ له مِنْ مِلْكِ نَفْسِه، والمُستَقرَضُ مَضمونٌ بالمِثلِ إنْ كانَ مِنْ ذَواتِ الأمثالِ، أو بالقِيمةِ إنْ لَم يَكُنْ مِنْ ذَواتِ الأمثالِ.

ولو أمَرَه أنْ يُعَوِّضَه مِنْ مِلْكِ نَفْسِه، ولَم يَشترِطِ الضَّمانَ على نَفْسِه فعوَّضه، لَم يَرجِعْ على الآمِرِ بشَيءٍ.

وَللواهِبِ أنْ يُوكِّلَ وَكيلًا في الرُّجوعِ بالهِبةِ؛ لأنَّه يَملِكُ المُطالَبةَ به

<<  <  ج: ص:  >  >>