للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قالَ: بِعْه برَهْنِ ثِقةٍ، فارتَهَنَ رَهنًا أقَلَّ مِنه، بما يَتغابَنُ النَّاسُ فيه جازَ، وإنْ كانَ أقَلَّ مِنه بما لا يَتغابَنُ النَّاسُ فيه لَم يَجُزْ؛ لأنَّه قَيَّدَ الِارتِهانَ هُنا بأنْ يَكونَ ثِقةً، وهو عِبارةٌ عَمَّا يَكونُ في مالِيَّتِه وَفاءً بالدَّينِ، فيَتقيَّدُ به، إلَّا أنَّ قَدْرَ ما يَتغابَنُ النَّاسُ فيه لا يُمكِنُ التَّحَرُّزُ عنه، فكانَ عَفْوًا.

قالَ: وإنِ ارتَهَنَ رَهْنًا ثِقةً وقَبَضَه ثم رَدَّه على صاحِبِه جازَ رَدُّه في حَقِّ نَفْسِه؛ لأنَّه بمَنزِلةِ العاقِدِ لِنَفْسِه، والِارتِهانُ لِاستِيفاءِ الثَّمَنِ، وحَقُّ القَبضِ إلى الوَكيلِ، حتى لو أبرَأَ المُشتَريَ مِنه كانَ صَحيحًا؛ فإذا رَدَّه عليه الرَّاهِنُ بسَبَبٍ، كانَ صَحيحًا أيضًا، ولكنَّه يَصيرُ ضامِنًا له، ولَم يَذكُرْ خِلافَ أبي يُوسفَ هُنا، قيلَ: على قَوله لا يَصحُّ رَدُّ الرَّهنِ بِناءً على الأصلِ الذي ذَكَرْنا، وقيلَ: لا يَصحُّ هُنا؛ لأنَّه ليسَ فيه إبطالُ شَيءٍ مِنْ الثَّمَنِ، وهو مِنْ صُنعِ التُّجَّارِ، فيَملِكُه.

قالَ: وإنْ وَضَعَه على يَدَيْ عَدْلٍ فهو جائِزٌ؛ لأنَّ كَونَ الرَّهنِ على يَدَيْ عَدْلٍ، أو على يَدَيِ الوَكيلِ، سَواءٌ في حَقِّ المُوكِّلِ، وهو اختِصاصُه الرَّهنُ عندَ تَعذُّرِ استِيفاءِ دْينِه مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، ولَم يُقيِّدِ الأمْرَ بيَدِ الوَكيلِ، فلا يَتقيَّدُ به، وليسَ لِلمُوكِّلِ قَبضُ الرَّهنِ؛ لأنَّ المُشتَريَ ما رَضيَ بقَبضِه، إنَّما رَضيَ بقَبضِ العَدلِ، أو قَبضِ الوَكيلِ، ورِضاه مُعتبَرٌ في مِلْكِه، وكَذلك الجَوابُ في القَرضِ برَهْنٍ في جَميعِ ما ذَكَرْنا.

قالَ: وإذا دفَع إلى رَجُلٍ مِئةَ دِرهَمٍ فقالَ له: ائْتِ بها فُلانًا، وقُلْ له: إنَّ فُلانًا أقرَضَكَ هذه على أنْ تُعطِيَه بها رَهنًا، وأمَرَني أنْ أقبِضَ الرَّهنَ مِنكَ، فَأْتِه

<<  <  ج: ص:  >  >>