للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَملُّكُكَ العَينَ المُشتَراةَ، وإطلاقُ ذلك مَع اختِلافِ الأجناسِ لا يَجعَلُ المَقصودَ مِنها مَعلومًا، فبطَل، فعلى هذه الأُصولِ يَكونُ جَوابُ ما تَضمَّنه المُوكِّلُ، فاعتبَرَه بها، يَتقَرَّرُ لِكُلِّ الحُكمِ فيه، فعلى هذا لو قالَ له: قَدْ وَكَّلتُكَ في شِراءِ عَبدٍ، لَم يَصحَّ حتى يَصِفَه بما يَتميَّزُ به لِلوَكيلِ مُرادُه في العَبدِ مِنْ ذِكْرِ جِنسِه ونَوعِه، ولا يَحتاجُ إلى ذِكْرِ صِفَتِه المُستَحقَّةِ في السَّلَمِ؛ لأنَّه يُضيِّقُ على النَّاسِ، فلَو قالَ له: قَدْ وَكَّلتُكَ في شِراءِ مَنْ رَأيتَ مِنْ العَبيدِ، أو في شِراءِ ما رَأيتَ مِنْ الخَيلِ، لَم يَجُزْ؛ لِاختِلافِ العَبيدِ والخَيلِ، وجَهلِ الوَكيلِ بالمَقصودِ مِنها، وهَكذا لو قالَ: بِعْ مَنْ رَأيتَ مِنْ عَبيدي، أو بِعْ ما رَأيتَ مِنْ خَيْلي، لَم يَجُزْ، سَواءٌ ذكَر العَدَدَ أو لَم يَذْكُرْ، حتى يَتميَّزَ المَبيعُ والمُشترَى مِنْ غيرِه بصِفةٍ أو إشارةٍ، وقالَ بعضُ أصحابِنا: يَجوزُ أنْ يُوكِّلَه في شِراءِ عَبدٍ أو ثَوبٍ، وإنْ لَم يُشِرْ إلى صِفاتِه، اعتِمادًا على رَأْيِ وَكيلِه المُوكَّلِ، ولا يَجوزُ على المَذهبِ الأوَل عَقدُ الوَكالةِ وبَيانُ الوَكيلِ حتى يَقتَرِنَ به على الفَورِ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: ولا تَصحُّ الوَكالةُ إلَّا في تَصرُّفٍ مَعلومٍ، فإنْ قالَ: وَكَّلتُكَ في كلِّ شَيءٍ، أو في كلِّ قَليلٍ وكَثيرٍ، أو في كلِّ تَصرُّفٍ يَجوزُ لي، أو في كلِّ ما ليَ التَصرُّفُ فيه، لَم يَصحَّ؛ لأنَّه يَدخُلُ فيه كلُّ شَيءٍ مِنْ هِبةِ مالِه، وطَلاقِ نِسائِه، وإعتاقِ أرِقَّائِه، وتَزويجِ نِساءٍ كَثيراتٍ، ويَلزَمُه مُهورٌ كَثيرةٌ، فيَعظُمُ الغَرَرُ والضَّرَرُ، ولأنَّ التَّوكيلَ لا بدَّ أنْ يَكونَ في تَصرُّفٍ مَعلومٍ.


(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٤٩٨، ٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>