للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما في قَوله: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨]، أي: العَدلُ أقرَبُ … ثم ساقَ الحَديثَ، ثم قالَ:

مُطابَقَتُه لِلتَّرجَمةِ مِنْ حيثُ إنَّ عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ عَوفٍ، وهو مُسلِمٌ في دارِ الإسلامِ، كاتَبَ أُميَّةَ بنَ خَلَفٍ، وهو كافِرٌ في دارِ الحَربِ، بتَفويضِه إليه؛ لِيَنظُرَ فيما يَتعلَّقُ به، وهو معنَى التَّوكيلِ؛ لأنَّ الوَكيلَ إنَّما هو مَرصَدٌ لِمَصالِحِ مُوكِّلِه، وقَضاءِ حَوائِجِه، ورَدَّ بهذا ما قالَه ابنُ التِّينِ: ليسَ في هذا الحَديثِ وَكالةٌ، إنَّما تَعاقُدٌ أنْ يُجيرَ كلُّ واحِدٍ مِنهُما صاغيَةَ صاحِبِه.

فَإنْ قُلتَ: بمُجَرَّدِ هذا يَصحُّ تَوكيلُ مُسلِمٍ حَربيًّا في دارِ الحَربِ. قُلتُ: الظَّاهِرُ أنَّ عَبدَ الرَّحمَنِ لَم يَفعَلْ هذا إلَّا باطِّلاعِ النَّبيِّ ، فلَم يُنكِرْ عليه، فدَلَّ على صِحَّتِه.

فَإن قُلتَ: التَّرجَمةُ في شَيئَيْنِ، والحَديثُ لا يَدُلُّ إلَّا على أحَدِهِما، وهو: تَوكيلُ المُسلِمِ حَربيًّا، وهو في دارِ الحَربِ، قُلتُ: إذا صَحَّ هذا فتَوكيلُه إيَّاه في دارِ الإسلامِ يَكونُ بطَريقِ الأَوْلَى أنْ يَصحَّ، وقالَ ابنُ المُنذِرِ: تَوكيلُ المُسلِمِ حَربيًّا مُستأمَنًا، وتَوكيلُ الحَربيِّ المُستأمَنِ مُسلِمًا لا خِلافَ في جَوازِ ذلك (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ المَقدِسيُّ : يَصحُّ تَوكيلُ المُسلِمِ كافِرًا فيما يَصحُّ تَصرُّفُه فيه، سَواءٌ كانَ ذِميًّا أو مُستأمَنًا أو حَربيًّا أو مُرتَدًّا؛ لأنَّ العَدالة لا تُشترَطُ في صِحَّةِ الوَكالةِ، فكَذلك الدِّينُ، كالبَيعِ (٢).


(١) «فتح الباري» (١٢/ ١٢٨).
(٢) «الشرح الكبير» (٥/ ٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>