للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاقِلِ، وإنْ لَم يَأذَنْ له وَليُّه عندَ الحَنفيَّةِ، ويُشترَطُ إذْنُ وَليِّه عندَ الحَنابِلةِ؛ لِمَا رُوِيَ عن عُمرَ بن أبي سَلَمةَ عن أبيه عن أُمِّ سَلَمةَ لمَّا انقَضَتْ عِدَّتُها بَعَثَ إليها أبو بَكرٍ يَخطُبُها عليه، فلَمْ تُزوِّجْه، فبَعَثَ إليها رَسولُ اللَّهِ عُمرَ بنَ الخَطَّابِ يَخطُبُها عليه، فقالَتْ: أخبِرْ رَسولَ اللَّهِ أنِّي امرَأةٌ غيرَى، وأنِّي امرَأةٌ مُصْبِيةٌ، وليسَ أحَدٌ مِنْ أوليائي شاهِدًا، فأتَى رَسولَ اللَّهِ فذكَر ذلك له، فقالَ: «ارجِعْ إليها، فقُلْ لها: أمَّا قَولُكِ: إنِّي امرَأةٌ غيرَى فسَأدْعو اللَّهَ لَكِ فيُذهِبُ غيرَتَكِ، وأمَّا قَولُكِ: إنِّي امرَأةٌ مُصْبِيةٌ، فسَتُكفَيْنَ صِبيانَكِ، وأمَّا قَولُكِ أنْ ليسَ أحَدٌ مِنْ أوليائِي شاهِدًا فليسَ أحَدٌ مِنْ أوليائِكِ -شاهِدٌ ولا غائِبٌ- يَكرَهُ ذلك. فقالَتْ لِابنِها: يا عُمَرُ، قُمْ فزوِّجْ رَسولَ اللَّهِ. فزوَّجهُ» (١). فهو لَم يُزوِّجْها بحُكمِ الوِلايةِ على أُمِّهِ؛ لأنَّ الصَّبِيَّ لا وِلايةَ له، فيَكونُ تَزويجُه بحُكمِ الوَكالةِ.

قالَ الحَنفيَّةُ: ولأنَّ الصَّبِيَّ المُميِّزَ لمَّا كانَ له عَقلٌ، كانَ مِنْ أهلِ التَّصرُّفِ، وكانَتْ عِبارَتُه صَحيحةً، لكنْ لمَّا كانَ يَخشَى أنْ يَعمَلَ بما


(١) رواه النسائي (٣٢٥٤)، والبيهقي في «الكبرى» (١٣٥٣٠) قال ابن الجوزي في «التحقيق في أحاديث الخلاف» (٢/ ٢٦٦): وفي هذا الحَديثِ نَظرٌ؛ لِأنَّ عُمرَ -ابنَها- كان له مِنَ العُمرِ يَومَ تَزوَّجَها رَسولُ اللهِ ثَلاثُ سِنينَ، وكيف يُقالُ له زَوِّجْ، وهذا لِأنَّ رَسولَ اللهِ تَزَوَّجَها في سَنةِ أربَعٍ، وماتَ رَسولُ اللهِ ولعُمرَ تِسعُ سِنينَ، فعلى هذا يَحتمِلُ قَولُها لِعُمرَ: قُمْ فزَوِّجْ، أنْ يَكونَ على وَجْهِ المُداعَبةِ لِلصَّغيرِ، ولو صَحَّ أنْ يَكونَ الصَّغيرُ قد زَوَّجَها فإنَّ رَسولَ اللهِ لا يَفتقِرُ نِكاحُه إلى وَلِيٍّ، قال أبو الوَفاءِ بنُ عَقيلٍ: ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ أنه يَجوزُ أنْ يَتزوَّجَ رَسولُ اللهِ بغَيرِ وَلِيٍّ؛ لِأنَّه مَقطوعٌ بكَفاءَتِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>