قالَ الحَنفيَّةُ: يَكونُ رُكنُ التَّوكيلِ مَرَّةً مُطلَقًا، يَعني لا يَكونُ مُعلَّقًا بشَرطٍ، أو مُضافًا إلى وَقتٍ، أو مُقيَّدًا بقَيدٍ، ومَرَّةً يَكونُ مُعلَّقًا بشَرطٍ.
مثلًا لو قالَ: وَكَّلتُكَ على أنْ تَبيعَ فَرَسي هذا إذا أتَى فُلانٌ التَّاجِرُ إلى هُنا، وقبلَ الوَكيلُ ذلك، تَنعَقِدُ الوَكالةُ مُعلَّقةً بمَجيءِ التَّاجِرِ وعليه، فإذا جاءَ التَّاجِرُ إلى هُناكَ فلِلوَكيلِ بَيعُ ذلك المالِ؛ لأنَّه يَلزَمُ ثُبوتُ الشَّيءِ المُعلَّقِ عندَ ثُبوتِ الشَّرطِ، وإذا لَم يَأْتِ التَّاجِرُ إلى هُناكَ فليسَ لِلوَكيلِ بَيْعُ ذلك المالِ؛ لأنَّ التَّعليقَ يَمنَعُ المُعلَّقَ أنْ يَكونَ سَبَبًا لِلحُكمِ، فلَو فَرَضْنا أنَّ المُوكِّلَ قالَ: قَدْ وَكَّلتُكَ ببَيعِ فَرَسي هذا، فمَع أنَّ هذا الكَلامَ سَبَبٌ لِتَحقيقِ الوَكالةِ في الحالِ، وصَلاحيةِ الوَكيلِ ببَيعِ الفَرَسِ فَورًا، فلَو قالَ: قَدْ وَكَّلتُكَ ببَيعِ حِصاني هذا إذا جاءَ التَّاجِرُ الفُلانيُّ إلى هُنا؛ فإنَّ التَّعليقَ مانِعٌ مِنْ أنْ تَكونَ الوَكالةُ سَبَبًا في الحالِ، ويَتوقَّفُ ثُبوتُ الوَكالةِ على وُجودِ الشَّرطِ، يَعني أنَّه يَتأخَّرُ إلى مَجيءِ التَّاجِرِ، ومتى وُجِدَ الشَّرطُ فالكَلامُ المَذكورُ يَكونُ سَبَبًا لِلوَكالةِ.
وَمَرَّةً يَكونُ مُضافًا إلى وَقتٍ، مثلًا لو قالَ: وَكَّلتُكَ على أنْ تَبيعَ دَوابِّي في شَهرِ كذا، وقبلَ الوَكيلُ ذلك، يَكونُ بحُلولِه وَكيلًا، وله أنْ يَبيعَ الدَّوابَّ في ذلك الشَّهرِ أو بعدَه، وأمَّا قبلَ حُلولِه فليسَ له أنْ يَبيعَ.
وَمَرَّةً يَكونُ مُقيَّدًا بقَيدٍ. مثلًا لو قالَ: وَكَّلتُكَ على أنْ تَبيعَ ساعَتِي هذه بألْفِ دِرهَمٍ، تَكونُ وَكالةُ الوَكيلِ مُقيَّدةً بعَدمِ البَيعِ بأقَلَّ مِنْ ألْفِ دِرهَمٍ (١).
(١) «المبسوط» (١٩/ ٧)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠)، و «شرح فتح القدير» (٧/ ٥٠١)، و «البحر الرائق» (٦/ ٢٠٦)، و «درر الحكام» (٣/ ٥٤٣، ٥٤٥)، و «المغني» (٥/ ٥٥)، و «إغاثة اللهفان» (٢/ ١٥، ١٦)، و «إعلام الموقعين» (٣/ ٣٤٣)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٣٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥٠١).