قالَ الحَنفيَّةُ: إنَّ التَّوكيلَ بالشِّراءِ نَوعانِ، وَكالةٌ عامَّةٌ، ووَكالةٌ خاصَّةٌ:
فالوَكالةُ العامَّةُ: أنْ يَقولَ له: اشتَرِ لي ما شِئتَ، أو ما رَأيتَ، أو أيَّ ثَوبٍ شِئتَ، أو أيَّ دارٍ شِئتَ، أو ما تَيسَّرَ لكَ مِنْ الثِّيابِ، ومِن الدَّوابِّ، ويَصحُّ مَع الجَهالةِ الفاحِشةِ مِنْ غيرِ بَيانِ النَّوعِ والصِّفةِ والثَّمَنِ؛ لأنَّه فوَّض الرَّأْيَ إليه، فيَصحُّ مَع الجَهالةِ الفاحِشةِ، كالبِضاعةِ والمُضارَبةِ.
والوَكالةُ الخاصَّةُ: أنْ يَقولَ: اشتَرِ لي ثَوبًا أو حَيَوانًا أو دَابَّةً أو جَوهَرًا أو عَبدًا أو جاريةً أو فرَسًا أو بَغلًا أو حِمارًا أو شاةً.
والأصلُ فيه أنَّ الجَهالةَ إنْ كانَتْ كَثيرةً تَمنَعُ صِحَّةَ التَّوكيلِ، وإنْ كانَتْ قَليلةً لا تَمنَعُ، وهذا استِحسانٌ، والقِياسُ أنْ يَمنَعَ قَليلُها وكَثيرُها، ولا يَجوزُ إلَّا بعدَ بَيانِ النَّوعِ والصِّفةِ ومِقدارِ الثَّمَنِ؛ لأنَّ البَيعَ والشِّراءَ لا يَصحَّانِ مَع الجَهالةِ اليَسيرةِ، فلا يَصحُّ التَّوكيلُ بهِما أيضًا.
وَجهُ الِاستِحسانِ: ما رُوِيَ «أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ دفَع دِينارًا إلى حَكيمِ بنِ حِزامٍ لِيَشتَريَ له به أُضحيَّةً» ولَم يُبيِّنْ صِفَتَها، ولو كانَتِ الجَهالةُ القَليلةُ مانِعةً مِنْ صِحَّةِ التَّوكيلِ بالشِّراءِ لَمَا فَعلَه رَسولُ اللَّهِ ﷺ؛ لأنَّ جَهالةَ الصِّفةِ لا تَرتَفِعُ بذِكرِ الأُضحيَّةِ وبِقَدْرِ الثَّمَنِ، ولأنَّ الجَهالةَ القَليلةَ في بابِ الوَكالةِ لا تُفْضي إلى المُنازَعةِ؛ لأنَّ مَبنَى التَّوكيلِ على الفُسحةِ والمُسامَحةِ، فالظَّاهِرُ أنَّه لا تَجوزُ المُنازَعةُ فيه عندَ قِلَّةِ الجَهالةِ، بخِلافِ البَيعِ؛ لأنَّ مَبناه على المُضايَقةِ والمُماكَسةِ، لِكَونِه مُعاوَضةَ المالِ بالمالِ، فالجَهالةُ فيه، وإنْ قَلَّتْ، تُفضي إلى المُنازَعةِ، وتُوجِبُ فَسادَ العَقدِ، فهو الفَرقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute