للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الحَنفيةُ فقالوا: يُغسلُ ثَلاثَ مَراتٍ وُجوبًا؛ لمَا رَواه الطَّحاويُّ بإِسنادِه عن أبي هُرَيرةَ «أنَّه يُغسلُ من وُلوغِ الكَلبِ ثَلاثَ مَراتٍ» (١)، وهو الراوي لاشتِراطِ السَّبعِ، وعندَنا إذا عمِلَ الراوي بخِلافِ ما رَوى أو أفتَى لا تَبقَى رِوايتُه حُجةً؛ لأنَّه لا يَحلُّ له أنْ يَسمعَ من النَّبيِّ شَيئًا فيَعملَ أو يُفتيَ بخِلافِه، إذْ تَسقطُ به عَدالتُه، فدَلَّ على نَسخِه، وهو الظاهِرُ؛ لأنَّ هذا كانَ في الابتِداءِ حين كانَ يُشدِّدُ في أمرِ الكِلابِ، ويأمُرُ بقَتلِها قَلعًا لهم عن مُخالَطتِها، ثم ترَكَ، وهذا كما رُويَ أنَّه كانَ يأمُرُ بكَسرِ الأَواني حينَ كانَ يُشدِّدُ في الخَمرِ قَلعًا لهم عنها وحَسمًا لمادَّتِها، ثم نَهى عن كَسرِ الأَواني، أو تُحملُ السَّبعُ على الاستِحبابِ، ويُؤيِّدُه ما رَوى الدارَقُطنيُّ عن أبي هُريرةَ: «عن النَّبيِّ في الكَلبِ يَلِغُ في الإناءِ أنَّه يَغسِلُه ثَلاثًا أو خَمسًا أو سَبعًا» (٢)،


(١) رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١/ ٢٣).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه الدارقطني (١٩٣)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١١٤١)، وضعَّفَه، وقالَ: فيه عَبدُ الوَهابِ بنُ الضَّحاكِ مَتروكٌ، وإِسماعيلُ بنُ عَياشٍ لا يُحتجُّ به خاصةً إذا رَوى عن أهلِ الحِجازِ، وقد رَواهُ عَبدُ الوَهابِ بنُ نَجدةَ، عن إسماعيلَ، عن هِشامٍ، عن أبي الزِّنادِ فاغسِلوه سَبعَ مَراتٍ، كما رَواه الثِّقاتُ، ويُنظرُ: نصب الراية للزيلعي (١/ ١٣١): الطَّريقُ الثاني رَواه ابنُ عَديٍّ في الكامِلِ عن الحُسَينِ بنِ علِيٍّ الكَرابيسيِّ ثنا إسحاقُ الأزرقُ ثنا عَبدُ المَلكِ عن عَطاءٍ عن أبي هُرَيرةَ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ إذا ولَغَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكم فليُرهِقْه وليَغسِلْه ثَلاثَ مَراتٍ، انتَهى، ثم رَواه عن عَمرِو بنِ شَيبةَ ثنا إِسحاقُ الأزرقُ به مَوقوفًا، قالَ: ولم يَرفَعْه غيرُ الكَرابيسيِّ، والكَرابيسيُّ لم أجِدْ له حَديثًا مُنكَرًا غيرَ هذا، وإنَّما حمَلَ عليه أحمدُ بنُ حَنبلٍ من جِهةِ اللَّفظِ بالقُرآنِ، فأماَّ في الحَديثِ فلم أرَ به بأسًا، انتَهى كَلامُه، ورَواه ابنُ الجَوزيِّ في العِللِ المُتناهيةِ من طَريقِ ابنِ عَديٍّ ثم قالَ: هذا حَديثٌ لا يَصحُّ لم يَرفَعْه غيرُ الكَرابيسيِّ، وهو ممَّن لا يُحتجُّ بحَديثِه، انتَهى، وقالَ البَيهَقيُّ في كِتابِ المَعرفةِ: حَديثُ عَبدِ المَلكِ بنِ أبي سُليمانَ عن عَطاءٍ عن أبي هُرَيرةَ في غَسلِ الإناءِ من وُلوغِ الكَلبِ ثَلاثَ مَراتٍ تفرَّد به عَبدُ المَلكِ من بينِ أَصحابِ عَطاءٍ ثم عَطاءٌ من بينِ أَصحابِ أبي هُرَيرةَ، والحُفَّاظُ الثِّقاتُ من أَصحابِ عَطاءٍ وأَصحابِ أبي هُرَيرةَ يرَوونَه سَبعَ مَراتٍ، وعَبدُ المَلكِ لا يُقبلُ منه ما يُخالِفُ فيه الثَّقاتِ، ولمُخالَفتِه أهلَ الحِفظِ والثِّقةِ في بَعضِ رِواياتِه، ترَكَه شُعبةُ بنُ الحَجاجِ ولم يَحتجَّ به البُخاريُّ في «صحيحه»، وقد اختُلفَ عليه في هذا الحَديثِ، فمنهم مَنْ يَرويه عنه مَرفوعًا، ومنهم مَنْ يَرويه عنه من قَولِ أبي هُريرةَ، ومنهم من يَرويه عنه من فِعلِه، قالَ: وقد اعتمَدَ الطَّحاويُّ على الرِّوايةِ المَوقوفةِ في نُسخِ حَديثِ السَّبعِ، وإنَّ أَبا هُرَيرةَ لا يُخالِفُ النَّبيَّ فيما يَرويه عنه، وكيف يَجوزُ تَركُ رِوايةِ الحُفاطِ الأثباتِ من أوجُهٍ كَثيرةٍ لا يَكونُ مِثلُها غَلطًا برِوايةِ واحِدٍ قد عُرفَ بمُخالفةِ الحُفاظِ في بَعضِ أَحاديثِه، انتَهى، وهذا الذي نقَلَه عن الطَّحاويِّ ذكَرَه في شَرحِ الآثارِ، فقالَ بعدَ أنْ رَوى المَوقوفَ عن عَبدِ المَلكِ بنِ أبي سُليمانَ عن عَطاءٍ عن أبي هُريرةَ قالَ: إذا ولَغَ الكَلبُ … إلخ، ثم قالَ: فثبَتَ بذلك نَسخُ السَّبِع لأنَّا نُحسنُ الظَّنَّ بأبي هُريرةَ ولا يَجوزُ عليه أنَّه يَتركُ ما سمِعَه من النَّبيِّ وإلا سقَطَت عَدالتُه ولم يُقبلْ رِوايتُه، بل كانَ يَجبُ على الخَصمِ المُخالِفِ أنْ يَعملَ بحَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ المُغفَّلِ عن النَّبيِّ رَواه مُسلمٌ أنَّه يُغسلُ سَبعًا ويُعفَّرُ الثامِنةَ بالتُّرابِ لأنَّه قد زادَ على السَّبعِ والأخذُ بالزائِدِ أوجَبُ عَملًا بالحَديثَينِ، وهُم لا يَقولونَ به، فثبَتَ أنَّه مَنسوخٌ، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>