في المُساقاةِ نَصيبَه إذا تَبَرَّعَ عنه المالِكُ أو أجنَبيٌّ في العَملِ: جَوازُ الِاستِنابةِ في الإمامةِ.
وَكُلُّ وَظيفةٍ تَقبَلُ الاستِنابةَ، كالتَّدريسِ، بشَرطِ أنْ يَستَنيبَ مثلَه، أو خَيرًا مِنه، ويَستحقُّ كلَّ المَعلومِ، قالَ: وإنْ أفتَى ابنُ عَبدِ السَّلامِ والنَّوَويُّ بعَدمِ استِحقاقِ واحِدٍ مِنهُما، قالَا: أمَّا المُستَنيبُ فلِعدمِ مُباشَرَتِه، وأمَّا النَّائِبُ فلِعدمِ وِلايَتِه، إلَّا أنْ يَأذَنَ له النَّاظِرُ في المُباشَرةِ.
قالَ الزَّركَشيُّ ﵀: ومُدرِكُهُما في ذلك أنَّ الرِّيعَ ليسَ مِنْ بابِ الإجارةِ ولا الجَعالةِ؛ لأنَّ شَرطَهُما أنْ يَقَعَ العَملُ فيهِما لِلمُستأجِرِ والجاعِلِ، والعَملُ هُنا لا يُمكِنُ وُقوعُه لِلجاعِلِ، فلَمْ يَبْقَ إلَّا الإباحةُ بشَرطِ الحُضورِ، ولَم يُوجَدْ، فلا يَصحُّ إلحاقُه بهذه المَسألةِ.
وقالَ الأذرَعيُّ ﵀: وما ذكَره ﵀ فَتَحَ بابًا لِأربابِ الجِهاتِ والجَهالاتِ في تَوَلي المَناصِبِ الدِّينيةِ، واستِنابةِ مَنْ لا يَصلُحُ أو يَصلُحُ بنَزرِ يَسيرٍ مِنْ المَعلومِ، ويَأخُذُ ذلك المُستَنيبُ مالَ الوَقفِ على مَرِّ الأعصارِ. اه.
وقالَ الغَزِّيُّ -بعدَ تَمثيلِ السُّبكيِّ بالإمامةِ-: وهذا بخِلافِ الفُقهاءِ.
قالَ ابنُ شُهبةَ ﵀: وهو واضِحٌ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ أنْ يَستَنيبَ مَنْ يَتفقَّهُ عَنه. اه (١).
(١) «روضة الطالبين» (٤/ ٩٢، ٩٣)، و «البيان» (٧/ ٤١١، ٤١٢)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٥٤٥، ٥٤٧)، و «نهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي» (٥/ ٥٤٣، ٥٤٥)، و «الديباج» (٢/ ٥٨٤، ٥٨٥)، وقال الدميري في «النجم الوهاج» (٦/ ٩٨): فائِدةٌ: كَثيرًا ما يُسألُ عَنْ إمامِ مَسجدٍ يَستَنِيبُ فِيهِ: أفتَى ابنُ عَبدِ السَّلامِ والمُصنِّفُ بأنَّه لا يَستَحقُّ مَعلُومَ الإمامَةِ، لا المُستَنِيبُ؛ لِعَدَمِ مُباشرَتِه، وَلا النّائِبُ؛ لِعَدَمِ وِلايَتِه. واستَنبَطَ الشَّيخُ مِنَ استِعانةِ المَجعُولِ لَه أنَّ ذلك جائِزٌ، وَأنَّ المُستَنِيبَ يَستَحقُّ جَمِيعَ المَعلُومِ إذا قصَد النّائِبُ إعانَتَهُ، لكن يُشترَطُ أن يَكُونَ النّائِبُ مثلَ المُستَنِيبِ أو خَيرًا مِنهُ؛ لِأنَّهُ إذا لَم يَكُنْ بِصِفَتِه لَم يَحصُلِ الغَرَضُ بِهِ، والِاستِنابةُ فِي الإمامةِ تُشبِهُ التَّوكِيلَ في المُباحاتِ، وَفِي مَعنَى الإمامَةِ: كلُّ وَظِيفَةٍ تَقبَلُ الِاستِنابَةَ، كالتَّدرِيسِ، وهذا في القَدرِ الَّذِي لا يَعجِزُ عن مُباشرَتِه بِنَفسِهِ، فَإن عَجَزَ عَنِ المُباشَرةِ، فلا شَكَّ فِي جَوازِ الِاستِنابَةِ. حادِثَةٌ: كانَ الشَّيخُ فَخرُ الدِّينِ ابنُ عَساكِرَ مُدرِّسًا بالعَذراويَّةِ، وهو أوَّلُ مَنْ دَرَّسَ بها، والتَّقويَّةِ، والجارُوخيَّةِ، وَهذه الثَّلاثَةُ بِدِمَشقَ، وفي المَدرسَةِ الصَّلاحِيَّةِ بِالقُدسِ، يُقِيمُ بهذه أشهُرًا، وَبِهذه أشهُرًا فِي السَّنَةِ، هَذا مَعَ عِلمِهِ ووَرَعِه. وَقَدْ سُئِلَ فِي هذا الزَّمانِ عَنْ رَجُلٍ وَلِيَ تَدرِيسَ مَدرستَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ متَباعِدَيْنِ، كَحَلَبَ وَدِمَشقَ، فَأفتَى جَماعَةٌ بِجَوازِ ذلك، وَيَستَنِيبُ، مِنهُم: قاضِي القُضاةِ بَهاءُ الدِّينِ أبُو البَقاءِ السُّبكِيُّ، والشَّيخُ شِهابُ الدِّينِ أحمدُ بنُ عَبدِ اللَّهِ البَعلَبَكِّيُّ، وَشَمسُ الدِّينِ الغَزِّيُّ، والشَّيخُ عِمادُ الدِّينِ الحُسبانِيُّ، ومِن الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةِ والحَنابلَةِ آخَرُونَ، ومَنعَ ذلك طائِفةٌ، وغيرُهم، وهو الأشبَهُ؛ لأنَّ غَيبَتَهُ فِي إحداهُما لِأجلِ الحُضُورِ فِي الأُخرَى ليسَت بِعُذرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute