وَلمَن لَم يَسمَعْ قولَ المالِكِ:«مَنْ جاءَني بعَبدِي الآبِقِ فله كذا» فجاءَ به شَخصٌ ليسَ مَنْ عادَتِه طَلَبُ الضَّوالِّ والآبِقِينَ فإنَّه لا جُعلَ له، وليسَ له إلَّا النَّفَقةُ فَقط، أي: نَفَقةُ الآبِقِ، أي: ما أنفَقَه عليه مِنْ مَأكَلٍ ومَركَبٍ ولِباسٍ، لا نَفقَتُه على نَفْسِه ودَابَّتِه -مثلًا- في زَمَنِ تَحصيلِه (١).
وقالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: قالَ ابنُ القاسِمِ في رَجُلٍ جعَل في عَبدٍ له عَشَرةَ دَنانيرَ لمَن جاءَ به، فجاءَ به رَجُلٌ لَم يَسمَعْ بالجُعلِ. قالَ: إنْ كانَ ممَّن يَأتي بالآبِقِينَ فله جُعلُ مِثلِه، وإنْ كانَ ممَّن لا يَأتي بالآبِقِينَ، فليسَ له إلَّا نَفقَتُه، وإنْ سمِع فكانَ ممَّن لا يَأخُذُ الآبِقِينَ، أو ممَّن يَأخُذُ الآبِقِينَ فله العَشَرةُ.
قالَ مُحمَّدُ بنُ رُشدٍ: حَكَى ابنُ حَبيبٍ في الواضِحةِ أنَّ له الجُعْلَ المُسمَّى، علِم به أو لَم يَعلَمْ، إذا وجَده بعدَ أنْ يُجعَلَ فيه، تَكَلَّفَ طَلبَه أو لَم يَتكَلَّفْ، عن ابنِ الماجِشونِ، وأصبَغَ، وغيرِهِما مِنْ أصحابِ مالِكٍ، وذكَر أنَّه قَولُ مالِكٍ.
وَوَجهُ قَولِ ابنِ القاسِمِ ﵀ أنَّ الذي أتَى به لَم يَعمَلْ على طَلَبِه، على الجُعْلِ المُسمَّى؛ إذْ لَم يَعلَمْ به، فوجَب ألَّا يَجِبَ له، ووَجهُ ما حَكَى ابنُ حَبيبٍ أنَّ الجاعِلَ قَدْ أوْجَبَ على نَفْسِه ما سمَّى مِنْ الجُعْلِ لمَن جاءَ به، فوجَب أنْ يَكونَ له، وإنْ لَم يَطلُبْه، أو كانَ أكثَرَ مِنْ جُعلِ مِثلِه إنْ طَلبَه،
(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٤٣٥)، و «المختصر الفقهي» (١٢/ ٣٦٥، ٣٦٦)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٦٤)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٥٤٤)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٦٢١)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٩/ ١٠٧، ١٠٨).