للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّاني: أنَّ الجَعالةَ عَقدٌ جائِزٌ؛ فلا يَلزَمُه بالدُّخولِ فيها مَع الغَرَرِ ضَرَرٌ، بخِلافِ الإجارةِ؛ فإنَّها عَقدٌ لَازِمٌ؛ فإذا دخَل فيها مَع الغَرَرِ لَزِمَه ذلك.

الثَّالثُ: أنَّ الإجارةَ إذا قُدِّرَتْ بمُدَّةٍ لَزِمَه العَملُ في جَميعِها، ولا يَلزَمُه العَملُ بعدَها؛ فإذا جَمَع بينَ تَقديرِ المُدَّةِ والعَملِ فرُبَّما عمِله قبلَ المُدَّةِ، فإنْ قُلْنا: يَلزَمُه العَملُ في بَقيةِ المُدَّةِ، فقَد لَزِمَه مِنْ العَملِ أكثَرُ مِنْ المَعقودِ عليه، وإنْ قُلْنا: لَا يَلزَمُه، فقَد خَلَا بعضُ المُدَّةِ مِنْ العَملِ، فإنِ انقَضَتِ المُدَّةُ قبلَ عَملِه فألزَمْناه إتمامَ العَملِ فقَد لَزِمَه العَملُ في غيرِ المُدَّةِ المَعقودِ عليها، وإنْ قُلْنا: لَا يَلزَمُه العَملُ فما أتَى بالمَعقودِ عليه مِنْ العَملِ بخِلافِ مَسألَتِنا، فإنَّ العَملَ الذي يَستحقُّ به الجُعلَ هو عَمَلٌ مُقيَّدٌ بمُدَّةٍ، إنْ أتَى به استَحقَّ الجُعلَ، ولا يَلزَمُه شَيءٌ آخَرُ، وإنْ لَم يَفِ به فيها فلا شَيءَ له (١).

وأمَّا الشَّافِعيَّةُ فقالَ منهم القاضي في «المُجَرَّدِ»: لَم يَصحَّ؛ لأنَّه يَكثُرُ بذلك الغَرَرُ، حيثُ قدَّره بمُدَّةٍ مَعلومةٍ.

وَهو أيضًا قَولُ المالِكيَّةِ، فيُشترَطُ عندَهم لصحَّةِ الجَعالةِ، عَدمُ شَرطِ تَعيينِ الزَّمَنِ؛ لأنَّ العَملَ لا يَستحقُّ الجُعْلَ إلَّا بالعَملِ، فقَد يَنقَضي الزَّمَنُ قبلَ التَّمامِ؛ فيَذهبُ عَملُه باطِلًا، ففيه زِيادةُ غَرَرٍ، مَع أنَّ الأصلَ فيها الغَرَرُ؛ وإنَّما أُجيزَتْ لِأذْنِ الشَّارِعِ فيها.

وَمَحَلُّ كَونِ شَرطِ تَعيينِ الزَّمَنِ مُفسِدًا ما إذا لَم يَشترِطِ العامِلُ أنَّ له التَّركَ متى شاءَ، فإنْ شرَط ذلك أو شُرِطَ له ذلك، لَم تَفسُدْ، ووَجهُ ذلك أنَّه


(١) «المغني» (٦/ ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>