للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا على أصلِهِما فلأنَّ وُجوبَ الضَّمانِ في الأجيرِ المُشترَكِ ثبَتَ استِحسانًا؛ صِيانةً لِأموالِ النَّاسِ، ولا حاجةَ إلى ذلك في الأجيرِ الخاصِّ؛ لأنَّ الأغلَب أنَّه يُسلِّمُ نَفْسَه ولا يَتسلَّمُ المالَ، فلا يُمكِنُه الخِيانةُ، واللَّهُ أعلَمُ (١).

وأمَّا المالِكيَّةُ فقَد فَرَّقوا بينَ ما يُغابُ عليه، فلا يُقبَلُ قولُ المُستَأجِرِ في الرَّدِّ، وبَينَ ما لا يُغابُ عليه، فيُقبَلُ قولُه في الرَّدِّ، قالوا:

إذا ادَّعَى الصَّانِعُ رَدَّ المَصنوعِ لربِّه، وأنكَرَ رَبُّه أخْذَه، كانَ القولُ قَولَ رَبِّه بيَمينِهِ؛ لأنَّ الصَّانِعَ اعتَرفَ بقَبضِه، وادَّعَى رَدَّه، وسَواءٌ كانَ الصَّانِعُ قَبَضَه ببيِّنةٍ أو بغَيرِها، وهذا إذا كانَ المَصنوعُ ممَّا يُغابُ عليه، لأنَّ الصَّانِعَ قَبَضَ ما فيه صَنعَتُه، ويُغابُ عليه على وَجْهِ الضَّمانِ.

وأمَّا ما لا يُغابُ عليه فالقولُ لِلأجيرِ في رَدِّها، إلَّا أنْ يَكونَ قَبَضَها ببيِّنةٍ مَقصودةٍ لِلتَّوثيقِ، وإلَّا فلا تُقبَلُ دَعواه رَدًّا ولا تَلَفًا. والتَّفريقُ بينَ ما يُغابُ عليه، وبَينَ ما لا يُغابُ عليه، هو استِحسانٌ، ومَعنَى ذلك أنَّ التُّهمةَ تَلحَقُ فيما يُغابُ عليه، ولا تَلحَقُ فيما لا يُغابُ عليه.

وقالَ عَبدُ المَلكِ : يُصَدَّقُ الصَّانِعُ في الرَّدِّ؛ لأنَّه أمينٌ، إلَّا أنْ يَقبِضَ ببيِّنةٍ، فيَكونَ الرَّدُّ بغَيرِها على خِلافِ العادةِ، فيُصدَّقَ المالِكُ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ٢١١)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٤١، ٣٤٢)، و «درر الحكام» (١/ ٥٩٨)، و «المغني» (٤/ ٢٥٩)، و «الشرح الكبير» (٤/ ٤٣٢).
(٢) «التوضيح» (٧/ ٢٣٥)، و «الذخيرة» (٥/ ٤٥٤)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٩/ ٩٣)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>