للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذَهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، المالِكيَّةُ والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ -في الجُملةِ على تَفصيلٍ سَيأتي عِندَهم- إلى أنَّ الإجارةَ لا تَنفَسِخُ بالأعذارِ؛ كالمَرَضِ، والمَوتِ.

قالَ المالِكيَّةُ: وذلك لِقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]، وَلأنَّه عَقدُ مُعاوَضةٍ مَحْضةٍ، فلَم يكُنْ لِأحَدِهِما فَسخُه بمانِعٍ في العاقِدِ، كالبَيعِ، ولأنَّ كلَّ مَعنًى لا يَملِكُ به المُكرِي فَسخَ الإجارةِ لَم يَملِكْ به المُكتَرِي، أصْلُه غَلاءُ الأُجرةِ أو رُخصُها، ولأنَّ الأُصولَ مَوضوعةٌ على أنَّ كلَّ ما كانَ لِأحَدِ المُتعاقدَيْنِ فَسخُه بوَجْهٍ، كانَ لِلآخَرِ أنْ يَفسَخَ بمِثلِ ذلك الوَجه، كَعَقدِ الشَّرِكةِ والوَكالةِ والقِراضِ، وكذلك البُيوعُ إذا وَجَدَ أحَدُهما بأحَدِ العِوَضَيْنِ عَيبًا كانَ له الفَسخُ، فكذلك في مَسألَتِنا، ولأنَّ عَزمَ المُكتَرِي على السَّفَرِ إذا اكتَرى دارًا، أو عَزْمَه على المُقامِ إذا اكتَرى جَمَّالًا لِلحَجِّ، كانَ ذلك عُذرًا لا يَتضمَّنُ نُقصانًا في المَعقودِ عليه، ولا يَمنَعُ استِيفاءَ المَنافِعِ، فلا يَملِكُ به الفَسخَ، كالمُكرِي إذا عَزَم على المُقامِ وقَدِ اكتَرى جَمَّالًا أو دَارًا (١).

وقالَ الشافِعيَّةُ: لا يَجوزُ فَسخُ الإجارةِ بعُذرٍ يَطرَأُ إذا لَم يَظهَرْ في المَعقودِ عليه عَيبٌ. لِقَولِ اللهِ تَعَالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]؛ فَكانَ عُمومُ هذا الأمْرِ يُوجِبُ الوَفاءَ بكلِّ عَقدٍ، ما لَم يَقُمْ دَليلٌ


(١) «الإشراف» (٣/ ١٩٧، ١٩٨) رقم (١٠٤١)، و «المعونة» (٢/ ١٠١، ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>