للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَل يَحتاجُ إلى فَسخِ القاضي؟ فيه قولانِ: أحَدُهما: أنَّه يَفتقِرُ إلى قَضاء القاضي في النَّقضِ؛ لأنَّه فَسخٌ مُجتَهَدٌ فيه، فلا بدَّ مِنْ إلزامِ القاضي.

والآخَرُ: أنَّه لا يَحتاجُ فيه إلى قَضاءِ القاضي، ووَجْهُه أنَّ هذا بمَنزِلةِ العَيبِ قبلَ القَبضِ في المَبيعِ على ما مَرَّ؛ فيَنفَرِدُ العاقِدُ بالفَسخِ.

وَوُفِّقَ بَعضُهم فقالَ: إنْ كانَ العُذرُ ظاهِرًا لا يَحتاجُ إلى القَضاءِ؛ لِظُهورِ العُذرِ، وإنْ كانَ غيرَ ظاهِرٍ؛ كالدَّيْنِ، يَحتاجُ إلى القَضاءِ؛ لِظُهورِ العُذرِ.

وَكَذا مَنِ استَأجَرَ دَابَّةً لِيُسافِرَ عليها، ثم بَدا له مِنْ السَّفَرِ، فهو عُذرٌ؛ لأنَّه لَو مَضَى على مُوجِبِ العَقدِ يَلزَمُه ضَرَرٌ زَائِدٌ؛ لأنَّه رُبَّما ذَهَبَ لِلحَجِّ فذَهَبَ وَقتُه، أو لِطَلَبِ غَريمِه فحَضَرَ، أو لِلتِّجارةِ فافتُقِرَ.

وَكَذا إذا مَرِضَ المُكتَرِي؛ لأنَّه لا يُمكِنُه السَّفَرُ إلَّا بضَرَرٍ.

وَكَذا إذا تَركَ المُكتَرِي السَّفَرَ لِعُذرٍ يَلحَقُه، مثلَ أنْ يَعزِمَ على تَركِ السَّفَرِ في هذه السَّنةِ، أو اكتَرى دارًا في بَلَدٍ، ثم نَوَى السَّفَرَ، وتَركَ المُقامَ، فلَه الفَسخُ، ولِلمُكتَرِي أنْ يَستَحلِفَه عندَ الحاكِمِ؛ لأنَّه يَجوزُ أنْ يُريدَ الفَسخَ لِمَعنًى آخَرَ غيرِ ما أظهَرَه.

وإنْ كانَ وَجَدَ جَمَّالًا أرخَصَ مِنْ جَمَّالِه، أو دارًا أرخَصَ مِنْ دارِه، لَم يكُنْ له أنْ يَفسَخَ؛ لأنَّه قد رَضيَ بالمِقدارِ المَذكورِ، وكَذا لَيسَ لِلمُؤجِّرِ أنْ يَفسَخَ إذا وَجَدَ زيادةً على الأجْرِ الذي آجَرَها بهِ؛ لأنَّه قد رَضيَ بالمِقدارِ المَذكورِ.

وإنْ بَدا لِلمُكاري مِنْ السَّفَرِ فليسَ ذلك بعُذرٍ؛ لأنَّه يُمكِنُه أنْ يَقعُدَ ويَبعَثَ الدَّوابَّ على يَدِ تِلميذِه أو أجيرِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>